تعيش مدينة حلب حالة من الغموض والخوف في أعقاب الانهيار المفاجئ لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، رغم مظاهر الاحتفال والحماس التي ظهرت في بعض المناطق، وفق صحيفة “نيويورك تايمز”.
وقالت الصحيفة الأميركية في تقرير، الخميس، إن العديد من المعالم التي كانت ترمز لنظام الأسد في مدينة حلب أُزيلت أو دُمرت أو أُحرقت، لافتة إلى تدمير أجزاء كبيرة من تمثال ضخم يُظهر باسل الأسد، شقيق الرئيس السابق بشار الأسد، وهو يمتطي جواداً، لم يبقَ منه سوى الجواد، الذي تسلقه الفتيان والشبان وهم يرفعون إشارات النصر.
وفي أنحاء حلب، كانت هناك احتفالات، الأربعاء، مع عودة سكان المدينة المُهجرين إلى مدينتهم بعد أكثر من أسبوع من سيطرة فصائل المعارضة المسلحة السورية عليها، في “هجوم خاطف” أنهى 54 عاماً من حكم عائلة الأسد في سوريا.
وقالت “نيويورك تايمز” إن هؤلاء السكان عادوا إلى مدينتهم عبر الحدود من تركيا أو من أماكن أخرى أكثر أماناً، إما للاستقرار أو لتفقد ما تبقى من منازلهم وأحيائهم، والبحث عن مكان يصلح للعيش، واكتشف بعضهم أن منازلهم اختفت تماماً.
“هنا أسقطوا النظام”
قمر صابر، البالغة من العمر 23 عاماً، هربت من حلب قبل نحو 10 سنوات مع أسرتها إلى تركيا، حيث تزوجت وأنجبت طفلين، لكنها لم تفقد الأمل يوماً في العودة إلى حلب، وتحقق حلمها، الأحد الماضي.
وقالت صابر لـ”نيويورك تايمز”، وهي تقف أمام تمثال الجواد: “إن شاء الله، لن نضطر لمغادرة سوريا مرة أخرى”.
وأضافت: ” سيصبح هذا مكاناً تاريخياً”، بينما كان يرافقها أقاربها يصطحبونها في جولة للتعرف مجدداً على معالم المدينة وأماكنها التاريخية. فيما قال زوجها، باسل الحسن، للصحيفة: “هنا أسقطوا النظام”.
وكانت أولى محطات العائلة القلعة التاريخية التي تعود إلى القرن الـ13، وهي معلم بارز وأشهر مواقع حلب، حيث احتشد الصغار لبيع الأعلام السورية للراغبين بالتقاط الصور هناك. وبالقرب من المدخل المغلق، شغّل بائع فشار أغنية تهاجم نظام الأسد المخلوع، إذ تقول: “من يقتل شعبه خائن”.
لكن الأغنية بالكاد كانت تُسمع وسط أصوات الطبول القريبة، التي توقفت للحظات فقط عند رفع الأذان. وكان العديد من الرجال يقرعون طبولهم بينما كان آخرون يقفزون ويرقصون، حسبما ذكرت “نيويورك تايمز”.
وقال علي سراج علي، البالغ من العمر 44 عاماً، “إن شاء الله سنكون سعداء، لكن الأمور لا تزال غامضة”. وكان علي فر أيضاً من حلب خلال الحرب، وكان الأربعاء أول يوم له في المدينة منذ ذلك الحين، حيث اصطحب ابنه إلى القلعة.
مستقبل غامض
وقالت “نيويورك تايمز”، إن حلب يعتريها عدم اليقين (بشأن المستقبل)، وما زالت تعاني آثار الحرب المدمرة التي استمرت 13 عاماً، رغم أجواء الحماس والفرح التي عمّت بعض أجزاء المدينة.
وعلى بُعد أمتار من التمثال المُدمر، كانت هناك حفرة صغيرة خلفّها صاروخ أطلقه نظام الأسد وأودى بحياة نحو 15 شخصاً وأصاب العشرات في 30 نوفمبر الماضي. وكانت بقع الدم الجافة لا تزال تلطخ الرصيف، لكن معظم الزائرين لم يلتفتوا إليها على ما يبدو، بحسب الصحيفة.
وفي حي صلاح الدين، حيث بدأت أولى المواجهات بين فصائل المعارضة المسلحة، وقوات الأسد عام 2012، شعر زهير الخطيب بعدم الارتياح.
وقال الخطيب، البالغ من العمر 43 عاماً، وسط أكوام من الركام التي كانت ذات يوم منازل ومبانٍ دمرتها الغارات الجوية التي شنها لنظام: “لم يفعل أحد شيئاً هنا. كانت هذه عملية موت بطيء، أرادوا قتلنا بشكل تدريجي، ولم يكن بوسعنا أن نقول أي شيء”.
وكان الخطيب يعمل “ليل نهار” ليجمع المال اللازم لإرسال ابنه الأكبر في الخارج لتجنب الخدمة العسكرية الإجبارية في عهد الحكومة السورية، وفق “نيويورك تايمز”.
وخلال الأسابيع التي سبقت الهجوم المفاجئ الذي شنته فصائل المعارضة الشهر الماضي، بدأ الجيش في تمشيط أحياء حلب، واعتقال مجموعات كبيرة من الرجال في الثلاثينيات والأربعينيات من أعمارهم، بحسب الخطيب. والآن، بعد سقوط النظام، يأمل أن يعود ابنه إلى وطنه.
وأوضح الخطيب أن هناك من يعودون إلى الحي رغم أنهم لا يملكون أماكن للعيش فيها، مضيفاً: “يقول الناس، إن شاء الله هناك شيء أفضل قادم، لكننا عانينا الكثير بالفعل”.
احتفالات يشوبها الخوف
وفي حديقة تسمى “ساحة الرئيس”، كان هناك نصب آخر مقلوب على وجهه. الرأس الذي كان يمثل حافظ الأسد، والد بشار الأسد والرئيس السابق، بالكاد يمكن التعرف عليه، إذ تحول إلى قطعة من الحجارة المدمرة، بحسب “نيويورك تايمز”.
وجلس عبد الهادي غزال، البالغ من العمر 17 عاماً، على قاعدة التمثال التي كانت تحمل الرأس المحطم، متخذاً وضعية تشبه تمثال “المفكر” للنحات أوجست رودان. وكتب أحد الأشخاص على قاعدة التمثال: “11/30 ساحة الأحرار”.
وقال غزال: “جلست في المكان الذي كان يقف فيه الزعيم، أردت أن أجلس مكانه”، لكنه قفز عندما بدأ بعض الناس بالتقاط صور له، خوفاً مما قد يحدث إذا شوهد وهو يظهر عدم احترام لـ”نظام لا يزال يثير الخوف في سوريا”، بحسب الصحيفة.
وأضاف: “رأينا الكثير من الناس في السجون، وشعرنا بالخوف”، مشيراً إلى الصور التي ظهرت مؤخراً للسجناء المعذبين. “نحن خائفون من احتمال عودة الرئيس”.
وقالت “نيويورك تايمز”، إن غزال لم يكن في الساحة عند تدمير التمثال، لكنه شاهد فيديو للحادثة على الإنترنت، ما دفعه للمجيء لرؤية المكان بنفسه والوقوف حيث كان التمثال يقف ذات يوم. في حين اكتفى آخرون بـ”البصق” على القاعدة المدمرة.
وفي مبنى البلدية القريب، يعمل مسؤولو “هيئة تحرير الشام” وفصائل المعارضة المسلحة الأخرى، التي ساهمت في إسقاط النظام على تشكيل حكومة لإدارة المدن، والبلدات التي باتت تحت سيطرتهم. لكن صورة كبيرة لبشار الأسد لا تزال معلقة خارج المبنى، ولم يتم إزالتها بعد، وفقاً للصحيفة.