قالت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية فاطمة مهاجراني، الثلاثاء، إن طهران ستسعى لتحقيق كل ما يحقق “مصالحها”، وذلك رداً على سؤال بشأن إمكانية إجراء محادثات مباشرة مع إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، حسبما نقلت عنها وكالة أنباء الطلبة الإيرانية.
وأضافت مهاجراني، أنه يتوجب على ترمب تجنب أي مسار خاطئ قد ينتهك حقوق الشعب الإيراني، وألا يدخل في سياسات خاطئة، معتبرة أن سياسة الضغوط القصوى لترمب، فشلت، وإيران لديها تجارب ناجحة في التصدي لهذه السياسة.
وخلال ولايته الأولى، انسحب دونالد ترمب من الاتفاق النووي المبرم في عام 2015 بين إيران والقوى العالمية، وفرض عقوبات اقتصادية صارمة على طهران وأمر بقتل أحد أبرز جنرالاتها (قاسم سليماني). وعلى الجانب الآخر، قال المدعون الفيدراليون نهاية الأسبوع الماضي، إن إيران خططت لاغتيال ترمب قبل الانتخابات الرئاسية.
ومع ذلك، وعلى الرغم من هذا التاريخ المشحون، فقد دعا العديد من المسؤولين السابقين والخبراء والافتتاحيات الصحافية في إيران، الحكومة علناً إلى التعامل مع ترمب في الأسبوع الذي تلا إعادة انتخابه، حسبما نقلت صحيفة “نيويورك تايمز”.
“سياسة براجماتية متعددة الأبعاد”
وقالت صحيفة “شرق” المقربة من التيار الإصلاحي في افتتاحية على الصفحة الأولى، إنه على الرئيس الإيراني الجديد الأكثر اعتدالاً، مسعود بيزشكيان، أن “يتجنب أخطاء الماضي وينهج سياسة براجماتية ومتعددة الأبعاد”.
ووفق صحيفة “نيويورك تايمز”، فإن العديد من أعضاء حكومة بيزشكيان، يقولون إن “ترمب يحب عقد الصفقات التي يفشل فيها الآخرون، وأن هيمنته الضخمة في الحزب الجمهوري يمكن أن تمنح أي اتفاق محتمل المزيد من القوة. ويزعمون أن هذا قد يفتح المجال أمام نوع من الاتفاق الدائم مع الولايات المتحدة”.
وكتب أحد الساسة البارزين والمستشار السياسي السابق للحكومة الإيرانية، حميد أبو طالبي، في رسالة مفتوحة إلى الرئيس الإيراني: “لا تضيع هذه الفرصة التاريخية للتغيير في العلاقات بين إيران والولايات المتحدة”. ونصح بيزشكيان بتهنئة ترمب على الفوز في الانتخابات وتحديد “نبرة جديدة” لسياسة عملية وتطلعية.
ومع ذلك، فإن القرارات الحاسمة في إيران يتخذها المرشد الأعلى علي خامنئي، تقول الصحيفة، وقد حظر المفاوضات مع ترمب خلال ولايته الأولى. وفي السياسة الفصائلية في إيران، حتى لو أراد بيزشكيان التفاوض مع ترمب، فسيتعين عليه الحصول على موافقة خامنئي.
ويعارض العديد من المحافظين، بما في ذلك البعض في فيلق الحرس الثوري القوي، أي مشاركة مع ترمب. وقالت وزارة العدل الأميركية إن الحرس الثوري الإيراني اخترق أجهزة كمبيوتر حملة ترمب، ونشر معلومات مضللة عبر الإنترنت في محاولة للتأثير على الانتخابات الرئاسية.
ويوم الجمعة الماضي، كشف المدعون الفيدراليون في مانهاتن عن محاولة إيرانية لاغتيال ترمب. وهي الاتهامات التي وصفها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بأنها “سيناريو مختلق” في منشور على منصة “إكس” يوم السبت.
وأكد عراقجي أن إيران تحترم اختيار الشعب الأميركي في انتخاب رئيسه، وأن الطريق إلى الأمام لإيران والولايات المتحدة يبدأ بـ “الاحترام” المتبادل و “بناء الثقة”.
“خيانة قاسم سليماني”
وقال رضا صالحي، المحلل المحافظ في طهران المقرب من الفصيل السياسي المتشدد في البلاد، في مقابلة، إن “المفاوضات مع ترمب ستكون تحدياً سياسياً للحكومة الإيرانية الجديدة”.
وقد أعرب المحافظون بالفعل عن استيائهم، قائلين إن أي مشاركة “ستكون خيانة” للجنرال قاسم سليماني، الذي أمر ترمب باغتياله في عام 2020.
ونشرت صحيفة “همشهري” المحافظة التي تديرها حكومة بلدية طهران، صوراً على الصفحة الأولى لترمب مرتدياً بذلة برتقالية وأصفاداً بعنوان: “عودة القاتل”.
ومع ذلك، قال صالحي: “سأعارض هذا الموقف وأقول إن ترمب سيفيد إيران مقارنة بسلفه”. وأضاف: “إنه مهتم بإبرام الصفقات؛ إنه مهتم بإنهاء الحروب وضد بدء حروب جديدة”.
وحتى أولئك الذين يريدون التعامل مع ترمب، يقولون إن السياسة الخارجية للبلاد في عهد ترمب ستعتمد إلى حد كبير على كيفية تعامل ترمب مع إيران والشرق الأوسط، وكذلك من يختاره لإدارته، وفق المسؤولين الخمسة الذين تحدثوا لـ”نيويورك تايمز”.
وقال ترمب مؤخراً إنه لا يسعى إلى إيذاء إيران، وكان مطلبه الرئيسي هو ألا تطور البلاد أسلحة نووية. ولكن في مرحلة أخرى من الحملة الانتخابية، بدا وكأنه يعطي إسرائيل الضوء الأخضر لقصف المواقع النووية الإيرانية. فقد قال إن إسرائيل ينبغي لها أن “تضرب المواقع النووية أولاً ثم تقلق بشأن بقية الأمور في وقت لاحق”.
إيران في قلب التوازنات
ويوم الأحد، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في بيان مصور إنه تحدث إلى ترمب، و”نحن متفقان بشأن التهديد الإيراني في جميع جوانبه، والمخاطر التي يعكسها”.
وقال بريان هوك، الذي عمل ممثلاً لإيران خلال إدارة ترمب الأولى، لشبكة CNN، الخميس الماضي، إن ترمب “ليس لديه أي مصلحة في تغيير النظام”، لكنه “يفهم أيضاً أن المحرك الرئيسي لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط هو النظام الإيراني”.
وأحد القرارات الأولى التي يجب على إيران اتخاذها، هو ما إذا كانت ستنفذ وعودها بشن هجوم انتقامي ضخم على إسرائيل. وفي الشهر الماضي، ضربت إسرائيل قواعد صاروخية وأنظمة دفاع جوي حول مواقع الطاقة الحيوية في إيران بعد أن أطلقت طهران موجة من الصواريخ الباليستية على إسرائيل للانتقام لمقتل العديد من كبار القادة والحلفاء الإقليميين.
وكان ترمب مؤيداً قوياً لإسرائيل. ويمكن أن تؤدي الحرب المحتملة بين إيران وإسرائيل إلى تصعيد التوترات بسرعة مع إدارة ترمب القادمة وإفشال أي فرص لتحسين العلاقات.
وقال المسؤولون الإيرانيون الخمسة، إن العديد من أهداف السياسة الخارجية المعلنة لترمب، إنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، وإنهاء الحرب في أوكرانيا وأجندة “أميركا أولاً”، جذابة لإيران.
لا بديل عن التفاوض
وعبر محمد جواد ظريف، وزير الخارجية السابق ونائب الرئيس الحالي للشؤون الاستراتيجية في إيران، في بيان على منصة “إكس”، عن أمله في أن يقف ترمب ونائب الرئيس المنتخب جي دي فانس “ضد الحرب كما تعهدا، وأن ينتبها إلى الدرس الواضح الذي قدمه الناخبون الأميركيون لإنهاء الحروب ومنع حروب جديدة”.
وقال محمد علي أبطحي، نائب الرئيس السابق، في مقابلة من طهران مع “نيويورك تايمز”، إن نصيحته ستكون “تحويل تهديد ترمب إلى فرصة جيدة وبدء دبلوماسية نشطة”، وأضاف: “يحب ترمب أن ينسب لنفسه الفضل في حل الأزمات، وإحدى الأزمات الرئيسية الآن هي الأزمة بين إيران والولايات المتحدة”.
وأضاف أبطحي، أن هناك مقاربتين يجري مناقشتهما في دوائر السياسة الإيرانية. إحداهما تدعو إيران إلى المضي قدماً بتحد وتعزيز ميليشياتها بالوكالة في الشرق الأوسط لردع الولايات المتحدة وإسرائيل. والأخرى تدعو إلى التفاوض مع ترمب، وهو ما يكتسب زخماً بين بعض المحافظين، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أنهم لا يرون بديلاً لحل المشاكل الاقتصادية الإيرانية.
ولأكثر من عقدين من الزمان، كانت دبلوماسية إيران مع الولايات المتحدة، رهينة بالحزب السياسي الأميركي الذي يقود الحكومة، والذي يركز بشكل فضفاض على فكرة أن الجمهوريين أكثر عدائية للدبلوماسية بينما الديمقراطيون أكثر انفتاحاً عليها.
ورفضت إيران التعامل مع ترمب بعد أن فرض حملة “الضغط الأقصى” ضد طهران خلال ولايته الأولى. وانتظرت البلاد الوقت المناسب، على أمل أن ترفع الإدارة الديمقراطية القادمة العقوبات وتعود إلى الاتفاق النووي الذي تخلى عنه ترمب.
ولم تتحقق هذه التوقعات قط. ولم تعد إدارة جو بايدن وإيران إلى الاتفاق، وظلت العقوبات قائمة. وقال المسؤولون الإيرانيون الخمسة المطلعون على تخطيط السياسة الخارجية الإيرانية، اثنان منهم من وزارة الخارجية، إن تجربة البلاد مع إدارة بايدن كانت محبطة ودفعت الكثيرين إلى استنتاج أن الاتفاق مع إدارة جمهورية من شأنه أن يسفر عن نتائج أطول أمداً.
استعدادات منذ أشهر
وقال المسؤولان من وزارة الخارجية، إن إيران تستعد لرئاسة ترمب المحتملة منذ أشهر، حيث أنشأت الوزارة مجموعة عمل غير رسمية بشأن هذا الموضوع منذ شهر مارس.
وأقر بيزشكيان بأن أي أمل في إنقاذ الاقتصاد مرتبط بتحسين العلاقات مع الغرب.
وقال بيزشكيان قبل نحو أسبوع، وفقاً لتقارير إعلامية إيرانية: “بالنسبة لنا، لا يهم من فاز في الانتخابات في أميركا، لأننا نعتمد على قوتنا الداخلية”. وأضاف: “في الوقت نفسه، لن يكون لدينا نظرة محدودة ومغلقة في تطوير علاقاتنا مع الدول”.
ورجح محللون في إيران والولايات المتحدة، أن يطلب ترمب من إيران التوقف عن تسليح وتمويل الجماعات المسلحة التي تقاتل إسرائيل كجزء من أي اتفاق لرفع العقوبات. وقال المرشد الإيراني خامنئي، مراراً وتكراراً إن دعم إيران لهذه الجماعات سيستمر.
ونقلت “نيويورك تايمز”، عن المحلل الإيراني، رحمان قهرمانبور، قوله، إن إيران ليس لديها الكثير من الخيارات، معتبراً أن الحفاظ على الوضع الراهن لمدة أربع سنوات أخرى أمر غير قابل للاستمرار. وأن الاقتصاد يتدهور تحت وطأة العقوبات وسوء الإدارة، والتضخم يرتفع بشكل كبير.
وقال قهرمانبور: “نحن لا نريد المزيد من العقوبات والمزيد من عدم الاستقرار. ولكن في الوقت نفسه، فإن الاتفاق الشامل مع ترمب يجب أن يمنحنا بعض المساحة للتحرك لإنقاذ ماء الوجه محليًا وتبريره. سيكون هذا هو التحدي الكبير”.