تسارع شركات وحكومات محلية في الصين نحو استخدام نماذج “ديب سيك- DeepSeek” الذكية بمختلف المنتجات، والتطبيقات التي يعتمد عليها الصينيون في حياتهم اليومية، فيما بدأت الشركة الصينية الناشئة في اتخاذ خطوات تشير إلى تحولها نحو تحقيق عائدات مالية.
وشهد الأسبوع الماضي تصريحات من شركتي “تينسنت”، و”بايدو” بأن كلتاهما تعمل حالياً على تجربة دمج نماذج شركة DeepSeek داخل خدماتهما التي يعتمد عليها المستخدمون في الصين.
ولاحظ مستخدمو تطبيق التراسل الفوري Weixin، المملوك لتينسنت، وجود خيارٍ جديد داخل ميزة البحث في التطبيق، يسمح باستخدام نماذج الشركة الصينية الناشئة للبحث على الإنترنت، وفقا لما نشرته “رويترز”.
كذلك أعلنت “بايدو” بأنها تعمل حالياً على دمج نماذج DeepSeek داخل محركها للبحث؛ لتمكين مستخدميها من الاستفادة من منصة الذكاء الاصطناعي في عمليات البحث عن المعلومات.
DeepSeek.. توجه حكومي
بالمثل، تحث الحكومات المحلية الصينية المسؤولين على استخدام نموذج الذكاء الاصطناعي من شركة DeepSeek للمساعدة في اتخاذ القرارات، في خطوة تعكس تزايد اعتماد السلطات على التقنيات الذكية لتعزيز الكفاءة الإدارية، ووفقاً لتقارير إعلامية، أصدر كبار المسؤولين في عدة مدن تعليمات لموظفيهم حول استخدام النماذج الصينية.
ومن هذه المدن، تشنجتشو، عاصمة مقاطعة هينان، حيث دعا رئيس الحزب الشيوعي الحاكم في المدينة، آن وي، المسؤولين إلى “دراسة وإتقان استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي مثل DeepSeek، والاستفادة الكاملة من قدراتها لدعم صنع القرار والتحليل وحل المشكلات”، وذلك بحسب الصحيفة الرسمية للمدينة.
كما وزَّعت إدارة الأبحاث السياسية المحلية دليلاً تدريبياً على كوادرها، مؤكدة أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يعمل كمستشارٍ، ومساعد لدعم عملية اتخاذ القرار العلمي للجنة الحزب في المدينة، وفق موقع The Star.
وفي مدينة لايبين بمقاطعة جوانجشي الجنوبية، طُلب من المسؤولين “احتضان التقنيات الحديثة والتعلم المستمر”، إلى جانب “توظيف الذكاء الاصطناعي للمساعدة في التحليل واتخاذ القرار”.
وفي نفس السياق، ذكرت صحيفة الحزب في مدينة فوشان، بمقاطعة جوانجدونج المجاورة، أن DeepSeek تم دمجه في نظام الخدمات الحكومية عبر الإنترنت، مشيرة إلى أنه “يوفر دعماً ذكياً لصنع القرار الحكومي”.
تُعد هذه المرة الأولى التي يُطلب فيها من المسؤولين استخدام نموذج ذكاء اصطناعي محدد في صنع القرار، إلا أن ذلك قد يكون مبرراً بالنظر إلى التأثير الكبير الذي أحدثه نموذج V3 من DeepSeek على السوق العالمي للتقنية، وخاصة الانخفاض الكبير في أسهم الشركات الأميركية العاملة في قطاع الذكاء الاصطناعي، إذ أثبت هذا النموذج قدرة الصين على المنافسة بقوة في هذا السوق.
موانئ ومركبات
وبدأ ميناء نينجبوتشوشان، ثالث أكبر ميناء للحاويات في العالم من حيث عدد الحمولات في عام 2024، في دمج نموذج الذكاء الاصطناعي DeepSeek ضمن نظام البوابات الذكية وخدمات العملاء، بحسب موقع South China Morning Post.
يساهم النظام الجديد في التعرف على أكثر من 80% من الأرقام الفريدة لأختام الحاويات، مما يقلل بشكل كبير من الوقت اللازم للتحقق اليدوي.
وبحسب إدارة الميناء، بات بالإمكان تنفيذ عمليات التفتيش، التي كانت تتطلب في السابق أربعة موظفين، بواسطة شخص واحد فقط.
إضافة إلى ذلك، ساعد نموذج DeepSeek في تقليل زمن الاستجابة لبلاغات الأعطال في نظام البوابات إلى أقل من 30 دقيقة، وقد تم تركيب هذه البوابات المدعومة بالذكاء الاصطناعي في عدة محطات بالميناء.
ويسعى ميناء تشوشان أيضاً إلى دمج نموذج DeepSeek في نظام خدمة العملاء الذي يعمل على مدار الساعة، والذي يستخدم حالياً نموذج اللغة الذكي Tongyi Qianwen، الذي طوَّرته مجموعة “علي بابا”.
الذكاء الاصطناعي وخدمة العملاء
وتخضع تطبيقات خدمة العملاء المدعومة بالذكاء الاصطناعي حالياً للاختبار، ومن المقرر إطلاقها خلال النصف الأول من العام الجاري، كما أعلن الميناء عن خطط مستقبلية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في مجالات أخرى مثل مناولة البضائع، والرافعات الجسرية، وأنظمة الأمن.
في الوقت نفسه تحاول الشركات المصنّعة للمركبات والسكوتر في الصين استغلال الموجة التي خلقتها نماذج DeepSeek، حيث بدأت شركتا Segway Ninebot، وNiu Technologies، أبرز علامتين تجاريتين للدراجات الكهربائية ذات العجلتين في الصين، لدمج نماذج الذكاء الاصطناعي DeepSeek في منتجاتهما، بهدف تعزيز تجربة القيادة الذكية.
وأعلنت مجموعة Segway، أنها ستقوم بـ”دمج عميق” لتقنيات DeepSeek في أنظمتها، في خطوة تواكب التوجه السائد بين صانعي المركبات، وخاصة شركات السيارات الكهربائية التي تسعى لتعزيز منتجاتها بوظائف تعتمد على الذكاء الاصطناعي.
وقالت الشركة، عبر منصة التواصل الاجتماعي الصينية ويبو: “بصفتنا أول شركة في صناعة الدراجات الكهربائية ذات العجلتين التي تعتمد DeepSeek، سيؤدي هذا الاندماج إلى تعزيز ذكاء منتجاتنا بشكل كبير”، وذلك وفق تقرير للموقع الصيني. وذكرت الشركة أن هذه الخطوة ستجعل المستخدمين يستمتعون أكثر بتجربة قيادة “أكثر ذكاءً، تجعل التنقل أكثر كفاءة وراحة”.
وأضافت الشركة أن تطبيقها المحمول بدأ بالفعل في دمج ميزات الذكاء الاصطناعي، مع خطط مستقبلية لتقديم وظائف مثل إنشاء المحتوى المدعوم بالذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات، والتوصيات الشخصية، والخدمات الذكية.
وتبعتها شركة Niu Technologies، معلنة أنها أصبحت أول علامة تجارية للدراجات الكهربائية تدمج نماذج اللغات الكبيرة (LLMs) الخاصة بـ DeepSeek بشكل كامل، وذلك منذ 9 فبراير الجاري.
لم يقتصر هذا التوجه على شركتي Ninebot، وNiu، إذ أعلنت كذلك Yadea Group، أكبر شركة مصنّعة للدراجات الكهربائية ذات العجلتين في العالم على صعيد المبيعات، عن دمج تقنيات DeepSeek في منظومتها التشغيلية.
وخلال الأسابيع الماضية، أعلنت أكثر من 12 شركة سيارات، منها SAIC Motor، وLeapmotor، وChery Automobile، وBYD، وGeely، وGreat Wall Motor، عن خطط لتطوير مركبات مزودة بوظائف الذكاء الاصطناعي من DeepSeek.
وحذَّر فايت تشانج، مؤسس منصة CnEVPost المتخصصة في جمع وتحليل بيانات المركبات الكهربائية، قائلاً: “السيارات التي لا تعتمد على DeepSeek ستفقد حصتها في السوق، أو سيتم إقصاؤها تماماً”.
التحول إلى الربحية
ومع الاهتمام الملحوظ بنماذجها الذكية، بدأت الشركة الصينية الناشئة DeepSeek في اتخاذ خطوات تشير إلى تحولها نحو تحقيق عائدات مالية.
وبحسب موقع Tianyancha المتخصص في تسجيل الأعمال التجارية، حدّثت الشركة بياناتها الرسمية، متضمنة تغييرات رئيسية في الهيكل الإداري، وتوسيع نطاق عملياتها ليشمل “خدمات المعلومات عبر الإنترنت”.
ويعكس هذا التغيير أولى إشارات تحول الشركة نحو تحقيق الأرباح، وفقاً لما ذكره Zhang Yi، مؤسس شركة الاستشارات المالية iiMedia.
وأضاف: “الانتقال من التركيز الحصري على البحث والتطوير إلى تطوير نموذج أعمال يعكس ضرورة التوسع التجاري لشركة مثل DeepSeek التي نجحت في تطوير التكنولوجيا، وتحويلها إلى منتج تجاري”.