عزَّزت المحادثات الرامية إلى إنهاء الصراع المسلح المستمر منذ 40 عاماً في تركيا، الآمال في تحقيق السلام، لكن الوضع الهشّ للقوات الكردية في سوريا، وعدم اليقين بشأن نوايا أنقرة، ترك العديد من الأكراد في حالة قلقٍ بشأن المسار الذي ينتظرهم.
وأفادت تقارير بأن عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون، أبدى استعداده لدعوة المنظمة إلى إلقاء السلاح في إطار عملية سلامٍ تُنهي التمرد الذي بدأه الحزب، في عام 1984، ضد تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وأودى الصراع بحياة أكثر من 40 ألف شخص، وعرقل التنمية في جنوب شرق تركيا، الذي تقطنه أغلبية كردية، وتسبب في انقسامات سياسية عميقة.
والتقى مسؤولون من حزب المساواة والديمقراطية للشعوب المؤيِّد للأكراد بأوجلان في أواخر ديسمبر، وأجرى الحزب منذ ذلك الحين محادثاتٍ مع أحزاب أخرى تشمل حزب “العدالة والتنمية” بزعامة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لمناقشة اقتراح أوجلان (75 عاماً)، ووصف الجانبان المحادثات بأنها “إيجابية”.
خطة كردية؟
وقال مصدران في حزب “المساواة والديمقراطية للشعوب” إن الحزب يعتزم الآن زيارة أوجلان مرة أخرى في 15 يناير في سجنه بجزيرة إمرالي شمال غرب تركيا، والمحتجز به منذ عام 1999، ويتوقع المصدران أن يسفر اللقاء عن خطة ملموسة لمحادثات السلام.
وقالت جولستان كلتش كوتشيجيت، نائبة رئيس الكتلة البرلمانية لحزب “المساواة والديمقراطية للشعوب”، ثالث أكبر حزب في البرلمان التركي: “نتوقع أن تتشكل العملية، وأن يتم تحديد خارطة طريق واضحة لإرساء الإطار القانوني في الاجتماع الثاني مع أوجلان”.
ولم يتضح بعد ما الذي يسعى أوجلان للوصول إليه في أي اتفاق، لكن الحزب نقل عنه إشارته إلى الجهود الرامية لإحداث “تحول ديمقراطي” في تركيا.
ويسعى الأكراد منذ فترة طويلة إلى الحصول على مزيد من الحقوق السياسية والثقافية والدعم الاقتصادي، ويطالب حزب “المساواة والديمقراطية للشعوب” أيضاً بالإفراج عن أوجلان.
سقوط الأسد وقضية الأكراد
وتغيّرت ديناميكيات أي عملية سلام بعد الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، مما ترك القوات الكردية السورية في موقفٍ أضعف أمام القوات المدعومة من تركيا، والحكام الجدد في دمشق الذين تربطهم علاقة صداقة مع أنقرة.
وحذَّرت تركيا من أنها قد تشن هجوماً عسكرياً عبر الحدود في شمال سوريا ضد “وحدات حماية الشعب” الكردية ما لم يتم حلها.
وتعتبر تركيا “وحدات حماية الشعب” منظمة إرهابية، وجزءاً من حزب العمال الكردستاني المحظور، لكن الوحدات حليفة أيضاً للولايات المتحدة في محاربة تنظيم “داعش” مما يزيد من تعقيد المسألة.
ولم يتضح حتى الآن كيف يمكن أن يؤثر سقوط الأسد على احتمالات إلقاء حزب العمال الكردستاني السلاح، وأشار أحد كبار قادة حزب العمال الكردستاني، في مقابلة معه هذا الأسبوع، إلى أن المنظمة تدعم جهود أوجلان، لكنه لم يعلق على مسألة نزع السلاح.
واقترح قائد القوات الكردية السورية أن يغادر المقاتلون الأجانب سوريا، بما في ذلك الذين ينتمون إلى حزب العمال الكردستاني، في إطار اتفاق مع تركيا لتجنّب المزيد من الصراع في البلاد.
السلاح أو السلام
قالت جولستان كلتش كوتشيجيت، نائبة رئيس الكتلة البرلمانية لحزب “المساواة والديمقراطية للشعوب”، إن إدارة عملية السلام في تركيا على هذا الأساس تشكل الاختبار الأكبر لأنقرة، مضيفة: “لا يمكنك توجيه السلاح نحو الأكراد في كوباني (في سوريا) والحديث عن السلام في تركيا.. القضية الكردية قضية معقَّدة، ولا ينبغي معالجتها فقط في إطار العوامل الداخلية التركية لكن أيضاً في إطار أبعادها الدولية”.
وقالت إن تركيا ينبغي أن تقبل بحق الأكراد في إبداء رأيهم بمستقبل سوريا.
ولم تعلق أنقرة على المحادثات مع أوجلان، التي بدأت بعد اقتراح من حليف رئيسي لأردوغان في أكتوبر، لكن شخصية بارزة في حزب “العدالة والتنمية” تحدثت بنبرة تفاؤل بعد اجتماعٍ مع وفدٍ من حزب المساواة والديمقراطية للشعوب.
وقال عبد الله كولر، القيادي في حزب “العدالة والتنمية”، الثلاثاء: “نرى جهود الجميع الطيبة للمساهمة في هذه العملية”، مضيفاً أن الهدف هو حل القضية هذا العام.
وتابع: “ستؤدي العملية المقبلة إلى تطورات مختلفة تماماً لم نتوقعها قط”.
ولم يحدد كولر طبيعة هذه التطورات، لكن نائباً آخر من حزب العدالة والتنمية قال إن الأجواء قد تسمح لحزب العمال الكردستاني بإلقاء السلاح بحلول فبراير. ورداً على سؤال عما إذا كان من الممكن إصدار عفو عن أعضاء حزب العمال الكردستاني، قال كولر إن العفو العام ليس على جدول الأعمال.
وقال زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي، أوزجور أوزيل، إنه ينبغي تشكيل لجنة برلمانية تضم جميع الأحزاب لمعالجة المشكلات التي يواجهها الأكراد.
وفي جنوب شرق تركيا، يبدي الأكراد تشككهم في احتمالات السلام بعد الإخفاقات السابقة. وينعكس هذا الشك في استطلاعات الرأي. فقد أظهر استطلاع رأي، أجراه مركز سامر في الآونة الأخيرة، وشمل نحو 1400 شخص في جنوب شرق تركيا والمدن التركية الكبرى، أن 27% فحسب من المشاركين يتوقعون أن تسفر دعوة أوجلان لإنهاء الصراع عن عملية سلام.
وانهارت محادثات السلام الأخيرة في عام 2015، مما أدى إلى تصاعد العنف وشن حملة ضد أعضاء الأحزاب الموالية للأكراد. وقال كولر إن العملية الحالية لن تشبه بأي حال من الأحوال تلك المحادثات التي جرت قبل عقدٍ من الزمن، مضيفاً أن “الوضع تغيَّر”.
تأثير موقف أردوغان
وقالت كوتشيجيت إن دعم أردوغان سيكون ركيزة لتعزيز الثقة في عملية السلام.
وأضافت: “تأكيده المباشر على مشاركته في العملية سيُحدث فرقاً كبيراً.. وإذا ساندها بشكل علني، سيزداد الدعم المجتمعي سريعاً”.
ويواصل أردوغان حالياً خطابه المتشدد تجاه حزب العمال الكردستاني، إذ قال بعد اجتماع للحكومة هذا الأسبوع: “من يختارون العنف سيُدفَنون إلى جانب أسلحتهم”، وكرَّر التهديد بالعمل العسكري ضد القوات الكردية في سوريا قائلاً: “قد نأتي فجأة ذات ليلة”.
وأضاف الرئيس التركي أنه يرى أن “الأخوة والوحدة والترابط ستنتصر في نهاية المطاف”، لكنه حذَّر من أنه إذا تمت عرقلة هذا المسار “لن نتردد في استخدام القبضة الحديدية لدولتنا”.
وأكدت يوكسال جنش، منسقة مركز “سامر” لاستطلاعات الرأي ومقره ديار بكر، على أهمية تعليقات أردوغان.
وقالت: “الخطاب الحاد لأردوغان ودائرته يمنع تجديد الثقة في العملية الجديدة (بين الأكراد) في الشارع”، مشيرة إلى مخاوف بين العديد منهم بشأن ما قد يحدث للأكراد في سوريا.
مهمة صعبة
وعلى الصعيد المحلي، أشارت أنقرة إلى رغبتها في التعامل مع القضية الكردية، وأعلنت الشهر الماضي خطة تنمية بقيمة 14 مليار دولار تهدف إلى تقليص الفجوة الاقتصادية بين جنوب شرق تركيا وبقية المناطق.
وسيكون إنهاء الصراع موضع ترحيب واسع في شتى أنحاء تركيا، لكن الحكومة تواجه مهمة صعبة في ظل العداء الذي يكنّه معظم الأتراك لأوجلان وحزب العمال الكردستاني بعد أربعة عقودٍ من إراقة الدماء، ووسط معارضة كثيرين لمحادثات السلام.
وقال محمد ناجي أرمان، الذي يعمل في قطاع السياحة في إسطنبول: ”بالتأكيد لا أؤيد ذلك.. لا أوافق على مثل هذه المفاوضات أو المحادثات.. أعتبر ذلك عدم احترام لشهدائنا (الجنود) وعائلاتهم”.