كشف قائد إدارة العمليات العسكرية في سوريا أحمد الشرع المعروف بـ”أبو محمد الجولاني”، عن ملامح رؤيته للأوضاع في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، قائلاً إن الحديث عن النظام السياسي سابق لأوانه، ومنوهاً إلى أن هناك عدة لجان مختصة تعمل على صياغة الدستور والقانون، وتحديد الشكل النهائي للحكم.
وقال الجولاني في تصريحات لمجموعة من الصحافيين في مقر مجلس الوزراء السوري، بحضور مراسلة “الشرق”، إن “جرائم نظام بشار الأسد أدت إلى الاستناد للمقاتلين الأجانب، ولكنهم يستحقون المكافأة على مساندة الشعب السوري، بعدما شاركوا في الثورة، وساهموا في إسقاط النظام”، ملمحاً إلى إمكانية منحهم الجنسية السورية.
وأجاب الجولاني عن سؤال بشأن القلق من السلطة الجديدة وشكل الحكم، قائلاً: “كان يجب القلق من النظام السابق، فنحن حررنا المعتقلين من صيدنايا والسجون الأخرى، وأعدنا جزءاً كبيراً من اللاجئين وكانت الحياة في المدن السورية غير قابلة للعيش.. واليوم استطعنا تحرير الأراضي السورية من حلب التي صمدت ولم نلغ فيها أحد، كذلك الأمر في حماة وحمص ودمشق ودرعا والسويداء والقنيطرة، ولم يكن دخولنا مصدر قلق”.
وأضاف: “عالجنا الأمن القومي وأخرجنا الإيرانيين الذين كانوا مصدر قلق لدول الجوار في الخليج، وتركيا، ولبنان الذي يمر بمرحلة إصلاحات.. فأينما حل الإيرانيون شجعوا على صناعة المخدرات تحت سيادة الدولة”.
وتابع: “استلمنا سوريا محطّمة ومهدّمة، فالنظام مارس سياسة ممنهجة لتدمير سوريا من القطاع المصرفي إلى بقية القطاعات الأخرى.. عالجنا مشاكل سوريا على مدى 60 عاماً في 11 يوماً.. ولكن يجب أن نكون واقعيين، الأمر يستلزم الصبر والأمور تحتاج إلى مزيد من الوقت، فأمامنا تحديات، واستطعنا بعد التهجير أن نستلم كل مؤسسات الدولة”.
وواصل: “من يريد التمسك بالنظام نقول له إننا استلمنا السلطة بشكل سلمي وأعدنا اللاجئين وحرّرنا السجناء في وقت عجزت الأمم المتحدة عن تحقيق الانتقال السلمي.. الحديث عن النظام السياسي سابق لأوانه ونسعى لعدالة قوية في سوريا.. نحن في مرحلة إعادة صياغة القانون والدستور، وتوجد لجان مختصة، ولكن لا يتعالج الموضوع بين ليلة وأخرى، سنجزّأ المشكلة من أجل حلّها.. سنبني المنازل ونعيد اللاجئين من الجوار، ومَنْ يريد البقاء في الخارج، يجب أن تكون أوراقه قانونية”.
أولويات الجولاني
وعن أولويات المرحلة المقبلة في سوريا، قال: “نريد توفير الاحتياجات الأساسية من الطاقة إلى الوقود والاتصالات، لإيجاد بيئة قابلة للحياة.. هذه أولويتنا مع استقرار السلطة لننتهي بمخرجات، ونتفق على إدارة المرحلة المقبلة وإعادة الانتخابات من جديد.. على أي حال، ستحدد اللجان المختصة الشكل النهائي للحكم”.
سر تغيير الزيّ
وفي سؤال من “الشرق” بشأن وضع الجيش السوري، قال الجولاني: “كان الجيش الحالي عاملاً مساعداً لجرائم النظام بقصف المدن والقرى، ولكن بدأنا بتسريح العناصر المجنّدة.. يختلف وضعنا عن العراق، لأننا خرجنا من مناطق محرَّرة، ونظمنا قواتنا في إدلب وفتحنا باب الانتساب تطوعياً، وليس إجبارياً”.
تغيير زيّ الجولاني كان محور سؤال من “الشرق”، والذي أجاب: “كنا في معركة ولم يكن لباسنا الدائم، فلكل حالة زِيّها.. عند المعركة نرتدي ما يتناسب مع الحالة العسكرية، والآن انتهت المعركة وأصبحنا في الحالة المدنية”.
وسألت “الشرق” الجولاني عن مخرجات “اجتماعات العقبة” وتأثيرها على مسار الأحداث في سوريا فقال: “هناك إيجابيات وسلبيات لاجتماعات العقبة، وكان ناقصاً، لأن سوريا لم تحضر، وكان من دون صوت ولا كلمة سورية، في وقت نسعى إلى صوت في مجلس الأمن.. يجب أن نحصل على القرارات بناءً على سوريا الجديدة، لأن بنود القرارات السابقة تحتاج إلى مراجعة”.
وبخصوص المقابر الجماعية، قال :”نحاول توثيق كل شيء، وأي فريق من المجتمع الدولي يريد توثيق الانتهاكات والجرائم سنتعاون معه، وسنلاحق الأشخاص الذين ارتكبوا هذه الجرائم”.
تجنيس المقاتلين الأجانب
وبشأن المقاتلين الأجانب الذين شاركوا في “الثورة السورية”، قال الجولاني: “جرائم النظام أدت إلى الاستناد للمقاتلين الأجانب، ولكنهم يستحقون المكافأة على مساندة الشعب السوري، بعدما شاركوا في الثورة، وساهموا في إسقاط بشار الأسد، في حين تتم المبالغة في الإعلام بشأن عدد المقاتلين الأجانب لأننا لا نملك سجلاً لعددهم.. ومع ذلك، إذا أخذنا في الاعتبار أن الأشخاص الذين كانوا في بلد آخر لمدة 4-5-6-7 سنوات يحصلون على الجنسية، فيجب أن يكون ذلك خارج نطاق المستحيلات ويمكن دمجهم في المجتمع السوري، إذا كانوا يحملون نفس أيديولوجية وقيم السوريين”.
وفيما يتعلق بقضية العدالة الانتقالية، يرى الجولاني أن النظام السابق كرَّس حالة الانقسام المجتمعي في فترة حكمه، موضحاً: “حاولنا في المعركة أن نقدّم حالة الرحمة، وركزنا على نصر لا ثأر فيه، ولم توجد حالة انتقام، بل جلسنا مع كل الأطياف.. سنحاسب مَنْ أشرف على تعذيب وقتل الناس في الفروع الأمنية، ومن حقنا ملاحقة القتلة ممن عذّبوا وأمروا باعتقال والتنكيل بالسجناء، كما سنصدر بلاغاً بحقهم، ويجب أن نتعاون من أجل إعادة رجال النظام”.
وقال: “من خلال وزارة الخارجية، ستتم ملاحقة المجرمين الذين هربوا إلى دول أخرى ممن ارتكبوا مجازر حولا، وصيدنايا.. يوجد التزام من الثوار، والأمور تسير بشكلها الصحيح، وتسود لغة المؤسسات في البلاد، وأي مخالفة لأوامر منع الانتقام، سنعمد إلى محاسبة مرتكبها”.
دستور سوريا الجديد
وأكد الجولاني أن “كل دولة لها أسسها الأخلاقية التي يمنحها الدستور، والدستور السوري الجديد سيعكس قيم وثقافات ومعتقدات الشعب، ولن يكون الدستور غريباً عن الشعب.. ستبقى سوريا على طبيعتها، ولن نتدخّل في الأمور الشخصية، أنا لا أقرر في هذه المسائل، بل توجد لجنة قانونية تصيغ الدستور وترى المناسب مع حالة سوريا الاجتماعية، وهذا أمر اختصاصيّ بحتْ يتعلق بجهات مختصة”.
كما يعتقد الجولاني أن “إدراج هيئة تحرير الشام والشرع على لائحة الإرهاب” هو تصنيف سياسي، قائلاً إن “الإرهابي هو مَنْ قتل الناس في صيدنايا وقصفَ المدن، ولم نتسبّب بالضرر في القرى التي دخلناها.. يجب أن تعيد الدول النظر في هذا التصنيف، لأن ما اكتسبناه كبير وضخم.. يجب أن يرفع المجتمع الدولي القيود عن أفراد سوريا، فالعقوبات على سوريا كانت بسبب جرائم النظام”.
وبخصوص ملامح المعارضة و”الحركات الثورية” في ظل التطورات الأخيرة، قال الجولاني: “انتهت المؤسسات الثورية عندما سقط النظام.. الآن، نحتاج إلى عقيدة الدولة وليس عقيدة المعارضة.. لا يجب أن نبني سوريا على طريقة المحاصصات بل بعقلية المؤسسات والأهداف العليا والرؤى لخمس أو عشر أو خمس عشرة سنة، وهذا الأمر لا يحتاج إلى عقل المعارضة”.
وحول سؤال يتعلق بالهجمات الإسرائيلية، قال: “كان لديها (إسرائيل) حججاً لضرب سوريا، نظراً لقلقها من وجود الإيرانيين وحزب الله، ولكن في معركتنا الخاطفة، استطعنا أن نخرجهم، واليوم لم يعد لدى الإسرائيليين حجة.. نريد عودة الأمم المتحدة ونشر الجيش، سنكون بعيدين عن الصراعات، ولن نسمح لسوريا أن تكون منطلقاً للصراعات”.
واستدرك: “منذ سنوات، جهَّزنا أنفسنا، وأخذنا وقتاً طويلاً في التخطيط (لإسقاط الأسد) ونفَّذناه بعناية؛ لأن المسألة لم تكن عسكرية، ودرسنا العلاقات الدولية منذ سنوات، وقضينا وقتاً طويلاً، لأكثر من 6 سنوات، في التواصل مع دول غربية وأوروبية، وزارنا سابقاً قسم منهم في إدلب، ولكن تقدمنا العسكري شكَّل مفاجأة لهم.. تولت إدارة الشؤون السياسية مسألة الحكم في إدلب، ولم يتصور أحد قوتنا لأنهم كانوا يجهلون وضعنا العسكري”.
وأكمل: “نعرف المجتمع السوري، مددنا جذوراً مع الدروز، ويوجد تبادل أفكار مع المجتمع المسيحي، وخصوصاً في حلب وكذلك الأكراد، ونقف مع المجتمع الكردي بكل قوتنا. النظام ظلمهم، ونحن نفرّق بين المجتمع الكردي، والذي يأتي من الخارج ويستغل الأراضي السورية.. تواصلنا مع المجتمع الداخلي مبني على أساس الثقة”.
وختم الجولاني تصريحاته، قائلاً إن “إسقاط نظام بشار الأسد هو انتصار للأمة الإسلامية، لما يعنيه السوريون للأمة الإسلامية، ومدى الرعاية والاهتمام والأموال التي جمعها المسلمون خارج سوريا، وكذلك أولئك الذين جاءوا لمساعدة الشعب، عندما تعرَّض لهجمات من نظام الأسد”.