ترتبط اليابان مع الولايات المتحدة باتفاقية عسكرية منذ ستينيات القرن الماضي تشمل ما يسمى بـ “المظلة النووية” أو الردع النووي، الذي تقدمه واشنطن إلى طوكيو لحمايتها من الدول النووية المجاورة، كوريا الشمالية، والصين، وروسيا بشكل خاص.
ولكن التيار السلمي المدني الياباني يعتبر هذه المظلة “انتهاكاً لسياسة اللانووية الحكومية”، التي تمنع تطوير وتخزين واستخدام أسلحة من هذا النوع، وخيانةً للحركة التي تقودها مدينتا هيروشيما وناجازاكي ضد هذه الأسلحة لتخليص البشرية منها.
ولهاتين المدينتين تجربتهما المريرة، بعد تعرضهما لأول قصف ذرّي في تاريخ البشرية، حيث ألقى سلاح الجوي الأميركي قنبلة ذريّة على الأولى، في 6 أغسطس 1945، ثم ألقى قنبلة ثانية على المدينة الثانية في 9 من الشهر ذاته، ما أودى بحياة نحو 220 ألف ياباني، وحول المكانيّن الحضريّين إلى رماد، وأجبر اليابان على إعلان الاستسلام في 15 أغسطس من العام ذاته.
من هنا، فالجدال مستمر بين الجانبين لمدة عقود، ويدور في حلقة مفرغة، إذ إن الحكومات اليابانية المتعاقبة لا تفكر إطلاقاً، بالتخلي عن هذه المظلة النووية، رغم التحركات المحلية، والعالمية لإزالة أسلحة الدمار الشامل، والتي لم تصل إلى طريق مسدود فقط، بل إن الدول النووية بذٰاتها منهمكة في تطوير ترساناتها من أسلحة الدمار الشامل.
“ضرورات” المظلة النووية لليابان
ويبرر المسؤولون في طوكيو “ضرورة” هذه المظلة، بسبب “انهيار الأوضاع الأمنية”، الناجمة عن التحديات الكورية الشمالية، والغزو الروسي لأوكرانيا ومشاركة بيونج يانج فيها، والسياسات المتشددة الصينية في تأكيد امتلاكها بشكل متزايد لجزر تسيطر عليها اليابان حالياً.
كما أن هذه المظلة تمثل أصلاً جزءاً أساسياً من المعاهدة الأمنية العسكرية بين اليابان، والولايات المتحدة والتي تربط البلدين بعلاقات عسكرية أمنية تتطور باستمرار بما يجعل التخلي عنها، بنظر الأميركيين، شبه انسحاب من المعاهدة.
وهكذا، لا يبدو في الأفق أي مؤشر على أن طوكيو الرسمية ستتخلى عن الضرورة الأمنية والعسكرية للأسلحة النووية، وفي الوقت ذاته لن تهدأ الحركات السلمية اليابانية بإدانة “النفاق النووي” المتمثل أيضاً في رفض اليابان الاعتراف بلا شرعية الأسلحة النووية، لأنه يمثل تناقضاً إضافياً مع الاتفاقية العسكرية اليابانية الأميركية.
وأساسيات المواقف النووية وفي الوقت نفسه اللانووية اليابانية تعتمد على مبادئ ثلاثة لانووية، أقرتها حكومة رئيس الوزراء إيساكو ساتو في ستينيات القرن الماضي.
وتعهدت بلاده بموجبها عدم امتلاك أو تطوير أو جلب أسلحة نووية، وبناءً عليها تدعو طوكيو على الصعيد الدبلوماسي وبلا هوادة إلى نزع السلاح النووي من خلال الجهود الرامية إلى الحفاظ على نظام منع الانتشار النووي القائم على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.
ولكن يتساءل الكثيرون كيف يمكن لدولة أن تعتمد على الردع النووي بما يعني استخدام القنابل النووية، وفي الوقت نفسه تدعو إلى عالم خالٍ من الأسلحة النووية؟
وتستند نظرية الردع النووي التقليدية عالمياً إلى مبدأ أن أي دولة يمكنها ردع الهجمات العسكرية من خلال تهديد المعتدي المحتمل بالانتقام النووي: “إذا هاجمتمونا، سنرد بالأسلحة النووية، ما يتسبب في أضرار كارثية لبلدكم. لذا، فكروا مرتين قبل مهاجمتنا”.
ووفقاً لهذه النظرية، تعمل الأسلحة النووية كحوافز لمنع الحرب، وهذا يثير أسئلة أساسية طرحها كينيتشي أوكوبو الأمين العام لجمعية المحامين المناهضين للطاقة النووية في اليابان.
وتساءل كينيتشي في مقالة نشرها على موقع الجمعية: “هل من المقبول أخلاقياً التهديد بالأسلحة النووية، إذا كان الهدف هو منع الحرب؟ وهل تنتهك هذه التهديدات القانون الإنساني الدولي (قوانين الحرب)، وما هي الفعالية العملية للأسلحة النووية في منع الحرب أصلاً؟
وقد دأب اللوبي السلمي في هيروشيما وناجازاكي على تأكيد عدم إنسانية ولا شرعية نظرية الردع النووي على أساس أن تجارب هاتين المدينتين تظهر بوضوح العواقب المدمرة للأسلحة النووية على البشر حيث تسببت القنبلة الذرية بلا تمييز في موت جماعي ومعاناة للمقاتلين وغير المقاتلين على حد سواء، مع استمرار الآثار لغاية يومنا هذا.
وعلى مر التاريخ، أنشأ القانون الإنساني الدولي قواعد تحظر أفعالاً مثل الفشل في التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية، واستهداف البنية التحتية غير العسكرية، واستخدام أسلحة الدمار الشامل، حتى في زمن الحرب، وفي هذا الإطار، يصبح استخدام الأسلحة النووية أو التهديد باستخدامها فعلاً غير قانوني.
وهذٰا ما أكدته محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري لعام 1996، وعلاوة على ذلك، في مؤتمر مراجعة معاهدة منع الانتشار النووي الأخير، أعادت جميع الدول الأعضاء التأكيد على ضرورة الامتثال للقوانين الدولية المعمول بها، بما في ذلك القانون الإنساني الدولي، مؤكدة أن “أي استخدام للأسلحة النووية من شأنه أن يخلف عواقب إنسانية كارثية”.
عقم نظرية “الردع النووي”
وبالتالي استنتج اللانوويون بأن الأسلحة النووية والتهديدات النووية غير إنسانية تنتهك القانون الإنساني الدولي. وحتى بدون استخدامها الفعلي، فإن التهديد بالقتل النووي الجماعي العشوائي لتحقيق أهداف سياسية يعد في حد ذاته غير قانوني.
وهذه المبادئ والاستنتاجات الإنسانية تفند نظرية الردع النووي التي تزعم أن الأسلحة النووية موجودة لمنع الحرب، ولكن هل تمنع الحرب حقاً؟ يتساءل أوكوبو الذي يفند الأمر بقوله: “تاريخياً، لم تختف الحرب من العالم على الرغم من وجود الأسلحة النووية واستخدامها، فالصراعات مستمرة والواقع أن الأسلحة النووية لم تمنع الحروب، والدليل على ذلك هو أن ترسانة روسيا النووية لم تمنع أوكرانيا من مقاومة الروس، بدعم حلف شمال الأطلسي (الناتو) طبعاً”.
ويقول بعض اليابانيين إنه إذا كانت الأسلحة النووية فعالة حقاً في منع الحرب، فعلينا أن نشجع على امتلاكها بدلاً من حظرها، ولو تمكنت اليابان من تطوير القنبلة الذرية قبل أميركا لتغير مجرى التاريخ ونتيجة الحرب العالمية الثانية.
والزعم بأن الأسلحة النووية تعمل كرادع ليس أكثر من دعاية سياسية تروج لها نخبة النادي النووي مثل أميركا، وروسيا، والصين، وفرنسا، وبريطانيا، والهند، وباكستان وإسرائيل، فالردع ليس أكثر من وهم ابتكره صانعي السياسات المعتمدين على الحروب، ويتعين علينا أن نتحرر من نظرية الردع النووي.
مهمة إلغاء الأسلحة النووية
ويدعو التيار السلمي الياباني وغيره إلى تطبيق سياسة أمنية دون الاعتماد على الردع النووي من أجل تحقيق “عالم خالٍ من الأسلحة النووية” بحزمة تتضمن صياغة الإرادة السياسية وخلق الأطر القانونية لبدء مفاوضات “معاهدة حظر الأسلحة النووية” على الفور، وتوسيع المناطق الخالية من الأسلحة النووية، بالإضافة إلى شروع الدول في سن “قوانين غير نووية” المحلية.
ولكن عكس ذلك تماماً هو ما يحدث على الصعيد الرسمي الياباني، فمنذ فبراير 2022، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، ينتشر نقاش حيوي في اليابان فيما إذا يمكن لطوكيو أيضاً أن تشارك الولايات المتحدة في السيطرة على “الزر النووي” وقرار استخدام أسلحة نووية، إذا تعرضت لهجوم فعلي نووي، بحيث لا تكون تحت رحمة قرار أميركي.
كما ازدادت الشكوك اليابانية بمصداقية الردع النووي الأميركي ليس بسبب مشاعر معادية للولايات المتحدة، بل لأن اليابانيين شاهدوا كيف أن دعم أميركا وحلف “الناتو” لأوكرانيا اقتصر على تقديم السلاح لإطالة أمد الحرب ولم يمنع تعرض أوكرانيا إلى تدمير تدريجي.
وقالت الصحفية اليابانية ميكي أوتاكا في تصريح لـ”الشرق”: “إذا تعرضنا لصاروخ نووي، فكيف نستفيد من هذه المظلة النووية الأميركية؟ لا نعلم. وكيف سترد أميركا أصلاً؟ لا نعرف؟ هل سترسل الدبابات كي نعبر بحر اليابان إلى كوريا الشمالية والصين وروسيا؟”
وعند البعض الآخر، ولا سيما الحكومة اليابانية، تطور الأمر إلى الدعوة “لتوسيع الردع بهدف مواجهة التوتر المتفاقم باستمرار في البيئة الأمنية العالمية في غياب أي مبادرات دبلوماسية للتخلي عن الحلول النووية في شرق آسيا”.
وفي هذا الإطار، عقدت اليابان والولايات المتحدة حوار الردع الموسع (EDD) في وزارة الخارجية اليابانية في طوكيو ديسمبر الماضي، وأسس البلدان هذا الحوار في عام 2010 كمنتدى دائم لمناقشة سبل الحفاظ على الردع الموسع وتعزيزه، وهو في صميم التحالف الياباني- الأميركي.
ومستوى اهتمام البلدين بالردع النووي ومظلته الحامية يتجلى في عدد وتنوع المسؤولين المشاركين فيه، فقد ترأس الجانب الياباني ناوكي كوماجاي، نائب مدير مكتب شؤون أميركا الشمالية بالخارجية، وكوجي أويدا، نائب مدير مكتب سياسة الدفاع بوزارة الدفاع.
ومن الجانب الأميركي، شاركت في رئاسة الحوار ألكسندرا بيل، نائبة مساعد وزير الخارجية لمكتب الحد من التسلح والردع والاستقرار، وريتشارد جونسون، نائب مساعد وزير الدفاع لسياسة الأسلحة النووية ومكافحة أسلحة الدمار الشامل، وضمت وفود الجانبين عناصر من الأقسام المسؤولة عن السياسة الأمنية ومراقبة الأسلحة، وكذلك من قوات الدفاع اليابانية، والقياداتان الاستراتيجية، والعسكرية الأميركيتين، وقيادة قواتهم في اليابان.
وحسبما كشفت عنه الخارجية اليابانية، فقد أكد الوفدان على الالتزامات التي قطعها رئيس وزراء اليابان ورئيس الولايات المتحدة بمواصلة تعزيز الردع الأميركي الموسع، مدعوماً بالقدرات الدفاعية اليابانية.
كما جاء هذا الاجتماع في أعقاب اجتماع اللجنة التشاورية الأمنية اليابانية الأميركية (2+2) والاجتماع الوزاري الأول بين اليابان والولايات المتحدة بشأن الردع الموسع في 28 يوليو 2024، حيث سلط وزيرا البلدين الضوء على التقدم المطرد في تعزيز التنسيق وتعميق المناقشات بشأن الردع الموسع، بما في ذلك من خلال المراجعة الدورية لأنشطة اللجنة التشاورية الأمنية اليابانية الأميركية (2+2) والاستفادة من آلية تنسيق التحالف.
وتبادل الجانبان تقييميهما للتحديات التي تواجه الأمن الإقليمي، بما في ذلك خطاب روسيا النووي المتصاعد والتهديد في سياق ما يوصف “بعدوانها” على أوكرانيا وكذلك مبادئها النووية المعدلة، وتقويضها للحد من التسلح ومنع الانتشار النووي، وتقدُم كوريا الشمالية في برنامجها النووي وأنشطتها الصاروخية وتعزيز تعاونها مع روسيا.
كما أعرب الجانبان عن قلقهما إزاء “توسيع الصين ترسانتها النووية بشكل متسارع، وهو ما يحدث دون شفافية أو تفسير كافٍ لنواياها”، وفي مواجهة هذا الواقع الديناميكي، خاصة فيما يتعلق بالقدرات النووية، أكدت اليابان والولايات المتحدة عزمهما المشترك على تعزيز الردع الموسع، مدعوماً بقدرات اليابان.
وفي هذا السياق، ناقش الجانبان كيفية تحسين تنسيق السياسات ومواءمة القدرات الدفاعية لردع العدوان على دول الحلف وفي المنطقة والرد عليه عند الضرورة. وعلى وجه الخصوص، أكد الوفدان على أهمية تعزيز التعاون من أجل الدفاع ضد الهجمات المحتملة وردع استخدام الأسلحة النووية في البيئة الأمنية “التي تزداد صعوبة”.
وعمّقوا النقاش حول العلاقة بين المسائل العسكرية النووية وغير النووية داخل الحلف، وحول تنسيق رسائل الردع وممارسات إدارة التصعيد خلال وقت السلم والطوارئ على حد سواء، وحول التنسيق الثنائي من خلال آلية التنسيق بين دول الحلف في كل مرحلة من مراحل تطور الأوضاع.
وفي خطوة متناقضة مع كل الاستعدادات العسكرية آنفة الذكر، شددت اليابان والولايات المتحدة على الدور الهام الذي تلعبه الرقابة على الأسلحة والحد من المخاطر وعدم الانتشار في تعزيز الاستقرار والحد من مخاطر النزاع.
وعلاوة على ذلك، أجرى الجانبان تدريباً نظرياً لزيادة الفهم المتبادل لمسارات العمل المحتملة لتعزيز الردع والتعاون في سيناريوهات الأزمات، حيث تعد التدريبات النظرية سمة منتظمة في اجتماعات آلية التنسيق الأوروبي- الأميركي.
وتساءل نشطاء كيف يمكن تعزيز الردع بتطوير مستمر للأسلحة نووية وبنفس الوقت منع الانتشار النووي؟ وهنا لم تقف جماعات الناجين من القنبلة الذرية مكتوفة الأيدي، بل استمرت في انتقاد الحكومة اليابانية لتجاهلها “مهمة إلغاء الأسلحة النووية”.
المظلة غير النووية
وعندما سألت “الشرق” النائبة ماري كوشيبوتشي من حزب “ريوا شينسن غومي” المعارض، عن مدى حاجة اليابان إلى مظلة نووية في ضوء ما يوصف بتهديدات كوريا الشمالية وروسيا وحتى الصين أم لا، وما البدائل لهذا النوع من الردع، فأجابت: “اليابان بصفتها الدولة الوحيدة التي تعرضت للقصف النووي في العالم، فإن مسؤوليتنا التاريخية الانتقال من المظلة النووية إلى المظلة غير النووية”.
وبررت سبب ذلك، تعزيز اعتماد الولايات المتحدة على الردع النووي من خلال المظلات النووية يستنفر القوى النووية المجاورة ويزيد من خطر الحرب النووية.
والحل برأي النائبة اليابانية بسيط، فبدلاً من المضي قدماً في سباق تسلح نووي، يجب الترويج لإنشاء مظلة أو منطقة خالية من الأسلحة النووية في شمال شرق آسيا، وتأسيس منتدى وعملية للتشاور الأمني مع الدول المتجاورة، بما يشمل منطقة الشرق الأوسط.
وأكدت ماري أنه “أولاً وقبل كل شيء، يجب على اليابان، أن تلتزم بالمبادئ الثلاثة لنزع السلاح النووي، ثم تدعو كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية إلى نزع السلاح النووي بالكامل من شبه الجزيرة الكورية”.
ومن ناحية أخرى، يجب على القوى النووية الثلاث، الولايات المتحدة والصين وروسيا وكوريا الشمالية، الحفاظ على السلام والاستقرار في شمال شرق آسيا من خلال توفير الضمانات القانونية بموجب قرار الأمم المتحدة الذي يحظر استخدام أو التهديد بالأسلحة النووية.”
ماذا لو ردت أميركا بقصف الصين؟
وعندما سُئلت كيف يمكن أن تعمل المظلة، إذا تعرضت اليابان لهجوم نووي، نظراً لأن الحل الذي وضعته النائبة وكثيرون من المنظمات السلمية، يبدو مثالياً غير قابل للتطبيق في بيئة أمنية تزداد عدوانية تجاه اليابان على حد وصف الحكومة اليابانية، أجابت: “نحن بحاجة إلى بذل جهود دبلوماسية شاملة لمنع حصول ذلك”.
وأضافت: “الأسلحة النووية تقتل عشوائياً بدون تمييز وغير إنسانية للغاية، وأي بلد، بمجرد تعرضه للهجوم، سيتحول إلى بخار، وستنتشر التأثيرات الإشعاعية إلى البلدان المجاورة، وباختصار لا يمكن للبشر أن يتعايشوا مع الأسلحة النووية”.
وتابعت: :إذا تعرضت اليابان لهجوم نووي، فسيكون من الصعب تخيل أن الولايات المتحدة ستستخدم الأسلحة النووية ضد الدولة المهاجمة”.
وتركت النائبة اليابانية المجال مفتوحاً للتحليلات حول طبيعة الرد الأميركي لحماية اليابان وما إذا كانت ستضحي بأن تتعرض لصواريخ نووية، إذ كان الرأي الأكثر ترجيحهاً أن “ترد الولايات المتحدة بنفس الأسلوب الذي اتبعته مع أوكرانيا”.
أكثر من 12 ألف رأس نووي في العالم
ويوجد حالياً نحو 12 ألفاً و520 رأساً نووياً في العالم، كما أن عدداً كبيراً منها جاهزة للإطلاق، إذ تقول النائبة تشيبوتشي إنه “لا ينبغي للمجتمع الدولي أن يسمح أبداً للقوى النووية بالتهديد باستخدام الأسلحة النووية أو استخدامها في الحرب في أوكرانيا أو من قبل إسرائيل ضد قطاع غزة، ويجب أن يعمل الجميع على فرض قواعد قانونية لاتفاقية الأسلحة النووية بحيث تعمل على نطاق واسع”.
ولكن يبدو أنه لا توجد أطراف فاعلة تنفيذية قادرة على فرض هذه القوانين القانونية المقترحة، والأمل الذي كان معقوداً على اليابان أن تشارك بشكل مراقب في مؤتمر الأطراف في معاهدة حظر الأسلحة النووية الذي سيعقد في نيويورك في مارس المقبل، قد تبدد عندما أعلنت طوكيو أنها تعتزم تأجيل تلك المشاركة.
وارتفعت أصوات خيبة الأمل من جماعات الناجين من القنبلة الذرية وغيرهم ممن طلبوا مشاركة اليابان، إذ أعرب توشيوكي ميماكي، عضو اللجنة التمثيلية لاتحاد اليابان لمنظمات ضحايا القنبلة الذرية والهيدروجينية “نيهون هيدانكيو” والتي فازت بجائزة نوبل للسلام العام الماضي ورئيس هيدانكيو في محافظة هيروشيما، عن استياء شديد قائلاً: “أنا غاضب للغاية من حكومتنا لعدم مشاركتها وكأنها نسيَت بأن اليابان هي الدولة الوحيدة التي تعرضت للقصف النووي في الحرب”.
وكان ميماكي التقى رئيس الوزراء شيجيرو إيشيبا الشهر الماضي، قائلاً إنه “لم يسمع رداً واضحاً من الزعيم الياباني، رغم أني دعوت مراراً إلى مشاركة اليابان في مؤتمر الأطراف”.
وتشارك ألمانيا والنرويج كمراقبين في ذلك المؤتمر، رغم اعتمادهما على “المظلة النووية” الأميركية وهذا ما يثير الاستياء الكبير لدى ميماكي، الذي قال في تصريح صحافي إن “هذا الأمر يدفعه للتساؤل عن عدم مشاركة بلاده إلى جانب هاتين الدولتين؟”، وأضاف: “أنهم يتجاهلون رغبة الشعب الياباني في إلغاء الأسلحة النووية”.
وقال: “لن أستسلم وسأستمر في دعوة الحكومة للمشاركة، لماذا لا يحاولون مشاهدة الدمار الذي خلفته القنبلة الذرية ويتعظون منه؟”. وكان مجلس محافظة ناجازاكي قد تبنى بالإجماع بياناً يدعو إلى تصديق الحكومة في طوكيو على معاهدة حظر الأسلحة النووية، والذي له تأثير مباشر على اتفاقية المظلة النووية.
وذكر أن “اليابان مدعوة بشدة إلى إظهار القيادة في تحقيق عالم سلمي خالٍ من الأسلحة النووية”، بدوره، قال كونيتوشي ناكامورا (81)، المدير التمثيلي لكتلة كيوشو التابعة للاتحاد الياباني لمنظمات ضحايا القنبلة الذرية والهيدروجينية، وهو أحد ضحايا القنبلة الذرية في ناغازاكي: “تزعم الحكومة أنها “جسر” بين الدول النووية والدول غير النووية، لكنها لم تفعل شيئاً وليس لديها نية للتغيير ولم يعبر عليه أحد”.