كشف علماء عن وجود ارتباط بين تناول المصابين بالسكري أدوية إنقاص الوزن، وفوائد للصحة الإدراكية والسلوكية، فيما تبين أيضاً زيادة مخاطر التهاب البنكرياس وأمراض الكلى، من بين أمور أخرى.
قيَّم العلماء في كلية الطب بجامعة واشنطن ونظام الرعاية الصحية التابع لوزارة شؤون المحاربين القدامى الأميركية النتائج الصحية لأكثر من مليوني شخص مصابين بالسكري يتناولون أدوية إنقاص الوزن الشهيرة.
وبحسب الدراسة المنشورة في دورية “نيتشر ميديسن” (Nature Medicine) ارتبطت عقاقير التخسيس الجديدة بفوائد كبيرة على الصحة العصبية والسلوكية، مع انخفاض مخاطر النوبات والإدمان على مواد مثل الكحول والقنب والمنشطات والأفيونيات.
كما شهد الأشخاص الذين تناولوا عقاقير إنقاص الوزن انخفاضاً في مخاطر الأفكار الانتحارية وإيذاء النفس والشره المرضي والاضطرابات الذهانية مثل الفصام، وأظهرت النتائج انخفاضاً في مخاطر الاضطرابات العصبية المعرفية مثل ألزهايمر والخرف.
في السنوات الأخيرة، شهد الطلب على أدوية فقدان الوزن زيادة ملحوظة، ما أدى إلى تسليط الضوء على أدوية مثل “مونجاروا” و”زيبباوند”، التي تُعرف رسمياً باسم مثبطات مستقبلات الجلوكاجون مثل الببتيد 1 (GLP-1RA).
“أدوية المعجزة”
وتم تطوير هذه الأدوية في الأصل لعلاج السكري من النوع 2، لكنها حصلت على اهتمام كبير بسبب قدرتها على تعزيز فقدان الوزن بشكل ملحوظ، مما أدى إلى إطلاق عليها لقب “أدوية المعجزة”.
وأشاد المرضى وبعض مقدمي الرعاية الصحية بفاعلية هذه الأدوية في معالجة الوزن والأمراض الأيضية. ومع ذلك، على الرغم من الفوائد المعروفة لهذه الأدوية، لا تزال المعلومات حول تأثيراتها على أجهزة الجسم المختلفة محدودة.
ومثبطات مستقبلات الجلوكاجون شبيه الببتيد 1، هي فئة من الأدوية التي تهدف إلى محاكاة تأثيرات هرمون طبيعي يسمّى الجلوكاجون شبيه الببتيد 1 (GLP-1).
ويلعب هذا الهرمون دوراً رئيسياً في تنظيم مستويات السكر في الدم عن طريق تحفيز إفراز الأنسولين استجابة للوجبات، ومنع إفراز الجلوكاجون، وهو هرمون يرفع مستوى السكر في الدم، وإبطاء إفراغ المعدة مما يزيد من الشعور بالشبع، ما يساعد في تقليل الشهية وتحسين التحكم في نسبة السكر في الدم، ويجعلها فعالة للغاية في علاج السكري ودعم فقدان الوزن.
تتجاوز فوائد تلك الأدوية مجرد فقدان الوزن؛ وبالإضافة إلى مساعدتها في إدارة الوزن، تكون فعالة في التحكم في مستويات السكر في الدم، ما يجعلها مفيدة بشكل خاص للمرضى الذين يعانون من السكري من النوع 2.
ومن خلال تعزيز حساسية الأنسولين وتقليل خطر الإصابة بارتفاع السكر في الدم، تساعد أدوية GLP-1RA في الوقاية من المضاعفات طويلة الأمد للسكري مثل أمراض القلب، وتلف الأعصاب، والفشل الكلوي.
علاوة على ذلك، أظهرت الدراسات أن هذه الأدوية قد تحسن صحة القلب من خلال تقليل مخاطر النوبات القلبية، والسكتات الدماغية، وغيرها من المشكلات القلبية الوعائية، وأدى هذا إلى وصفها ليس فقط للسكري والسمنة، ولكن أيضاً كوسيلة للوقاية من مخاطر القلب والأوعية الدموية.
صحة الدماغ
تشير الأبحاث الأولية إلى أن أدوية التخسيس الجديدة تقدم فوائد لصحة الدماغ، خاصة في تقليل خطر الإصابة بمرض ألزهايمر والخرف. ويُعتقد أن هذه الأدوية لها تأثير إيجابي على الدماغ من خلال تقليل الالتهابات وتعزيز التأثيرات الوقائية العصبية.
في الدراسة الجديدة؛ فحص الباحثون بيانات أكثر من 2 مليون من المحاربين القدامى الذين عولجوا من مرض السكري في الفترة بين 1 أكتوبر 2017 إلى 31 ديسمبر 2023، وشمل المرضى أشخاصاً من مختلف الأعمار والأعراق والجنسين.
وأعد الباحثون خريطة شاملة تعمل على تحليل تأثيرات هذه الأدوية عبر جميع أنظمة الجسم، بما في ذلك القلب، والكلى، والدماغ، والجهازين العصبي والهضمي، عبر جمع بيانات طبية شاملة من مجموعة كبيرة من المرضى وتحليل كيف تؤثر الأدوية على أجزاء الجسم المختلفة، سواء كانت إيجابية مثل تحسن الصحة العصبية، أو سلبية مثل مخاطر الإصابة بأمراض الكلى.
وأظهرت الدراسة الحديثة أن الأدوية لا تقتصر فوائدها على تحسين مستويات السكر في الدم وتقليل الوزن فحسب، بل تمتد لتشمل مجموعة واسعة من الفوائد الصحية الأخرى التي تساهم في تعزيز الصحة العامة.
من بين هذه الفوائد، أظهرت النتائج أن الأدوية تؤثر بشكل إيجابي على الصحة العصبية والسلوكية، حيث تم رصد تحسن كبير في المخاطر المرتبطة بالتشنجات واضطرابات الإدمان، مثل الإدمان على الكحول والمخدرات.
بالإضافة إلى ذلك، لاحظ الباحثون انخفاضاً في خطر الإصابة ببعض الاضطرابات النفسية مثل الفصام، ما يشير إلى قدرة الأدوية على تحسين الصحة العقلية بشكل عام.
وتُعتبر هذه الفوائد العصبية والسلوكية خطوة مهمة نحو تحقيق توازن صحي شامل للجسم، وليس فقط من خلال التأثير على الجوانب البدنية مثل الوزن ومستوى السكر في الدم.
انخفاض في خطر الإصابة بألزهايمر
كما أظهرت الدراسة تأثيرات إيجابية على الأمراض العصبية التنكسية. وتم رصد انخفاض كبير في خطر الإصابة بأمراض مثل الخرف وألزهايمر، ما يعكس التحسن الذي قد تحققه الأدوية في وظائف الدماغ.
ويرى الباحثون أن هذه التأثيرات ترجع إلى دور الأدوية في تقليل الالتهاب في الدماغ وتحسين الاستجابة المناعية، مما يساهم في تعزيز الصحة الدماغية وتقليل احتمالات تطور الأمراض العصبية المرتبطة بالتقدم في العمر.
وقال الباحثون إن هذا الاكتشاف يُمثّل إضافة مهمة في مجال الطب النفسي والعصبي، ويعزز الاعتقاد بأن أدوية التخسيس الجديدة قد تفتح أفقاً جديداً في الوقاية والعلاج من الأمراض التي تؤثر على الذاكرة والتفكير.
أما في مجال الصحة القلبية والأوعية الدموية، فقد تم تأكيد أن هذه الأدوية تسهم في تقليل مخاطر الإصابة بأمراض القلب مثل النوبات القلبية والسكتات الدماغية.
وأشار الباحثون إلى أن تأثير الأدوية يرتبط بتحسين مستوى الكوليسترول وضغط الدم، وهما عاملان رئيسيان في الوقاية من أمراض القلب.
وأظهرت الدراسات أيضاً قدرة الأدوية على تقليل مخاطر الإدمان، إذ تبين أنها تساعد في تقليل رغبات الأفراد تجاه المواد المسببة للإدمان مثل الكحول والمخدرات.
ويُعتقد أن هذا التأثير يحدث من خلال تأثير الأدوية على مراكز المكافأة في الدماغ، مما يقلل من الرغبة الشديدة في تناول هذه المواد ويسهم في تحسين سلوكيات الأفراد.
ويُعد هذا الاكتشاف خطوة هامة نحو استخدام الأدوية كجزء من استراتيجيات علاج الإدمان التي تعتمد على تعديل سلوكيات الأفراد في التعامل مع المواد المسببة للإدمان.
مخاطر صحية
ورغم أن أدوية التخسيس أظهرت العديد من الفوائد الصحية، إلا أن الدراسة كشفت أيضاً عن بعض المخاطر الصحية غير المعروفة التي يجب أن تكون تحت إشراف دقيق.
من أبرز هذه المخاطر، زيادة خطر الإصابة بأمراض البنكرياس، إذ لوحظ أن استخدام هذه الأدوية قد يرفع من خطر الإصابة بـالتهاب البنكرياس، وهو أحد المضاعفات المحتملة التي تتطلب متابعة دقيقة من الأطباء.
ولفت الباحثون إلى أن الأطباء يجب أن يكونوا على دراية بهذه المخاطر واتخاذ الإجراءات اللازمة للكشف المبكر عنها والحد من تأثيراتها.
أما بالنسبة لتأثيرات الأدوية على وظائف الكلى، فقد كشفت الدراسة عن بعض الأعراض المرتبطة بمشاكل في الكلى.
ورغم أن هذه الحالات نادرة، فإن تأثيراتها يمكن أن تكون خطيرة، إذ قد تحدث أضرار للكلى دون ظهور أعراض ملحوظة حتى مراحل متقدمة، وهو ما يجعل من الضروري متابعة وظائف الكلى بشكل دوري لدى المرضى الذين يتناولون هذه الأدوية.
كما تبيَّن أن بعض المرضى قد يعانون من أعراض غير مرغوب فيها مثل الغثيان، والتقيؤ، والإسهال، والتي تكون شائعة عند استخدام الأدوية. وفي حالات نادرة، قد تؤدي الأدوية إلى شلل في المعدة، وهو أمر يتطلب متابعة طبية حثيثة.
لذلك، وبحسب الدراسة؛ ينبغي على الأطباء إبلاغ المرضى بالمخاطر المحتملة وتوجيههم بشأن كيفية التعامل مع الأعراض الجانبية، خاصة في حالات ظهور مشاكل حادة في الجهاز الهضمي.
وقال المؤلف الرئيسي للدراسة “زياد العلي” ومدير مركز علم الأوبئة السريرية في نظام الرعاية الصحية للمحاربين القدامى إن “من المثير للاهتمام أن عقاقير GLP-1RA تعمل على المستقبلات التي يتم التعبير عنها في مناطق الدماغ المشاركة في التحكم في النبضات والمكافأة والإدمان، مما يفسر فعاليتها في الحد من اضطرابات الشهية والإدمان”.
وأشار العلي إلى أن هذه العقاقير تعمل أيضاً على تقليل الالتهاب في الدماغ وتؤدي إلى فقدان الوزن؛ وقد يؤدي العاملان إلى تحسين صحة الدماغ والحد من خطر الإصابة بأمراض مثل ألزهايمر والخرف.