قال الأمين العام لـ”حلف شمال الأطلسي” (الناتو) مارك روته، في حديث شامل مع “المجلة”، إنه بحث مع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب “كيفية الوصول إلى اتفاق عادل” في أوكرانيا.
وقال: “من واجبنا ضمان أن يبدأ الأوكرانيون أي مفاوضات مع روسيا من موقع قوة”. وقال: “هذا يعني تزويدها بالمساعدات الدفاعية الضرورية مثل أنظمة مضادة للصواريخ وأخرى هجومية، لضمان وضعها في موقف قوي. وهذه هي الأولوية القصوى حاليا وفي الأشهر القادمة- يناير/كانون الثاني، وفبراير/شباط، ومارس/آذار. بعد ذلك، يعود للحكومة الأوكرانية اتخاذ القرار بشأن الشروط وتوقيت بدء المفاوضات مع الروس”.
هذا هو أول حوار يجريه روته مع وسيلة إعلام عربية منذ تسلمه منصبه. وقال، ردا على سؤال، إنه شكر ترمب لأنه “دفع أوروبا إلى زيادة الإنفاق الدفاعي، حيث أصبح متوسط إنفاق الطرف الأوروبي من (الناتو) الآن 2 في المئة، أي أعلى بكثير مما كان حين تولى منصبه في عام 2016”.
وردا على سؤال عن تلويح روسيا باستخدام السلاح النووي، قال روته إن “الناتو” يأخذ قضية الأسلحة النووية “بجدية بالغة، لا شك في ذلك. لكنني أقول إن الأمر برمته لا يعدو أن يكون استعراضا من الروس”. وأضاف أن العلاقات مع روسيا انقلبت جذريا منذ 2010 بعد حضور الرئيس السابق ديمتري ميدفيديف قمة “الناتو”، موضحا: “الآن، من الصعب تخيل اجتماع مع الرئيس بوتين في لاهاي أو مشاركته في قمة لـ(الناتو). وهذا بحد ذاته يعكس مدى التغير الذي طرأ، والخسارة الكبيرة التي تكبدناها في علاقتنا معه نتيجة أفعاله”.
وقال روته- ردا على سؤال آخر- إن “الناتو” الآن “يركز على الصين بجدية، ونعمل كحلفاء داخل (الناتو) للدفاع عن أنفسنا ضد هذه التحديات.ولهذا السبب فإن تعاوننا مع الولايات المتحدة في هذا السياق لا يتأثر بقيادة ترمب أو بايدن بقدر ما هو نابع من شعورنا الجماعي كحلف شمال الأطلسي بأهمية التعامل مع الصين بحذر وعدم سذاجة”.
وقال إن “الناتو” لا يتدخل مباشرة في الشرق الأوسط. وأضاف: “علاقاتنا قوية ومتعددة مع دول الخليج ونعمل معها عن كثب. ومع ذلك، فإن (الناتو) ليس معنيا بتوسيع نطاق أراضيه ليشمل الخليج أو المحيطين الهندي والهادئ. بل نركز على تعزيز الشراكات مع هذه الدول التي نعتبرها شريكة على المستوى الاستراتيجي، ونعمل معها بشكل وثيق”.
وهنا نص الحديث الذي جرى داخل مقر “الناتو” في بروكسل:
* بالطبع، السؤال الذي يشغل العالم الآن يدور حول الرئيس المنتخب، دونالد ترمب. لقد كانت زيارتك لفلوريدا ولقاؤكم معه مسألة مهمة. هل يمكن أن تخبرنا من فضلك ما الذي ناقشته معه؟
– لا يمكنني طبعا أن أكشف عن تفاصيل ما قاله الرئيس المنتخب ترمب، لكن يمكنني أن أقول إننا سبق أن عملنا معا بشكل جيد جدا عندما كنت رئيسا للوزراء خلال ولايته الأولى بين عامي 2016 و2020. أعتقد أن كلا منا استمتع بالعمل مع الآخر. ولقد ارتأيت أنه من المهم أن ألتقي به مبكرا بعد الانتخابات، وقد تحقق اللقاء في فلوريدا، حيث أجرينا محادثة جيدة جدا. وسأوضح لك النقاط التي ركزت عليها.
ناقشت مع ترمب الوضع في أوكرانيا، وتطرقنا إلى كيفية الوصول إلى اتفاق عادل هناك، وسبل منع إيران والصين وكوريا الشمالية وروسيا من تحقيق أهدافهم المشتركة
* ما هي؟
– أولاً، شكرته لأنه نجح في دفع أوروبا إلى زيادة الإنفاق الدفاعي، حيث أصبح متوسط إنفاق الطرف الأوروبي من “الناتو” الآن 2 في المئة، أي أعلى بكثير مما كان حين تولى منصبه في عام 2016. وإنني على قناعة الآن بأننا في أوروبا في حاجة إلى إنفاق أكثر من 2 في المئة على المدى الطويل إذا أردنا الحفاظ على الأمن في إطار “الناتو”، سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة.
ثانيا، ناقشنا الإنتاج الصناعي الدفاعي، وفي رأيي علينا تعزيز قدراتنا الإنتاجية، لأن ما ننتجه حاليا لا يقارن بما تنتجه روسيا والصين.
ثالثا، ناقشنا الوضع في أوكرانيا، وتطرقنا إلى كيفية الوصول إلى اتفاق عادل هناك، وسبل منع إيران والصين وكوريا الشمالية وروسيا من تحقيق أهدافهم المشتركة، وهم يستعدون الآن لتبادل التهاني في حال التوصل إلى اتفاق سيئ. لذلك، من واجبنا ضمان أن يبدأ الأوكرانيون أي مفاوضات مع روسيا من موقع قوة.وقد اتفقنا على مواصلة الحوار سواء مِن خلال فرقنا، أم بشكل مباشر في الفترة التي تسبق توليه المنصب وبالتأكيد بعد يناير/كانون الثاني.
* قلت إنك لن تكشف عما قاله، لكن هل يمكنك أن تخبرنا كيف تشعر بعد هذا اللقاء؟ هل أنت مطمئن إلى أن العلاقات عبر الأطلسي بين أميركا وأوروبا في إطار “الناتو” ستكون مستقرة ومستدامة خلال السنوات الأربع المقبلة؟
– دعني أكن حذرا جدا هنا. فلو أنني أجريت تلك المحادثة، ثم خرج الطرف الآخر على التلفزيون ليكشف ما قلته، لوجدت ذلك الأمر مستهجنا. وبالمثل، سيكون من غير المناسب أن أجيب بشكل مباشر على هذا السؤال، لأن ذلك سيقوض الثقة التي نحاول بناءها من خلال هذه المحادثات.
أؤمن بشدة بضرورة التركيز على أوكرانيا نفسها، وضمان أنها في موقف قوي يمكّنها من الدخول في مفاوضات ناجحة مع روسيا. ومن هذا الموقف القوي، يمكن لأوكرانيا بعد ذلك تحديد خطواتها التالية
أنا أعرف الرئيس ترمب جيدا كسياسي، وكلانا يدرك أن مهمتنا الأساسية هي ضمان أمن بلداننا وازدهارها. ومن الجلي أن الرئيس ترمب يسعى إلى تحقيق اقتصاد قوي وتوفير الأمن القومي لبلاده. كما أنني أعي تماما أن ما يحدث في العلاقات الأطلسية وما يحدث في منطقة المحيطين الهندي والهادئ قد غدا أكثر ارتباطا، خاصة مع دخول كوريا الشمالية على خط التعاون مع روسيا.
* مع ذلك يبدو أنك مرتاح لنتائج الاجتماع.
– ذلك لأنني أعلم أننا سنواصل الحوار. لقد تأثرت كثيرا بفريق السياسة الخارجية الذي شكله، بما في ذلك ماركو روبيو (وزير الخارجية) ومايك والتز (مستشار الأمن القومي) والسفير الجديد هنا. أعتقد أنهم جميعا أشخاص على قدر عالٍ من الكفاءة. طبعا بعض المرشحين تم تثبيت تعيينهم مباشرة لأن الرئيس يملك هذه الصلاحية، بينما ينتظر البعض الآخر موافقة مجلس الشيوخ. وعلى أي حال، أرى أنه نجح في تشكيل فريق قوي للغاية.
* ذكرت أوكرانيا وخطة السلام المحتملة في أوكرانيا. ولكن كانت هناك تقارير عن خطة جرى تسريبها في الصحافة الأميركية مثل “وول ستريت جورنال.” ما الخطة برأيك؟ وما أفضل مسار لتحقيق السلام في أوكرانيا؟
– حسنا، ينبغي لخطة السلام أن تُطبق خطوة بخطوة. وأول ما علينا فعله هو تقديم دعم مكثف لأوكرانيا لتتمكن من دخول المحادثات من موقع قوة. وهذا يعني تزويدها بالمساعدات الدفاعية الضرورية مثل أنظمة مضادة للصواريخ وأخرى هجومية، لضمان وضعها في موقف قوي. هذا هو الأولوية القصوى حاليا وفي الأشهر القادمة- يناير وفبراير ومارس. بعد ذلك، يعود للحكومة الأوكرانية اتخاذ القرار بشأن الشروط وتوقيت بدء المفاوضات مع الروس.
* برأيك ما الشكل الأمثل لهذه الصفقة؟
– حسنا، لدي أفكاري في هذا الشأن. وأنت رجل ذكي، ولا شك في أن لديك أيضا أفكارك في هذا المجال، وسيكون للآخرين أفكارهم. ولكن في النهاية، لسنا نحن من يخوض هذه الحرب، بل الأوكرانيون هم من يفعلون ذلك. ولا بدّ من أن نحترم حقهم في تقرير وجهة نظرهم حول الخطوات التالية. ولكن الأهم حاليا هو ضمان أن يبدأوا المحادثات من موقع قوة، وهذا يتطلب تقديم دعم إضافي لهم. وستكون رسالتي الرئيسة: التأكيد على كيفية مساهمة حلف “الناتو”– ليس من خلال المشاركة المباشرة في النزاعات، ولكن من خلال تنفيذ القرارات التي اتخذناها كقادة في واشنطن، مثل التعهد بمبلغ 40 مليار دولار وإنشاء القيادة في فيسبادن، مع ضمان دمج جميع الدروس المستفادة بشكل فعال.
* يُقال إن جزءا من خطة ترمب يتضمن الاعتراف بالواقع وتأجيل عضوية أوكرانيا في “الناتو” عشرين عاما؟
– أنا أؤمن بشدة بضرورة التركيز على أوكرانيا نفسها، وضمان أنها في موقف قوي يمكّنها من الدخول في مفاوضات ناجحة مع روسيا. ومن هذا الموقف القوي، يمكن لأوكرانيا بعد ذلك تحديد خطواتها التالية. ولو أنني كنت أخاطب (الرئيس الأوكراني) فولوديمير زيلينسكي مباشرة، فإن التزامي سيكون مساعدته لضمان وجوده في وضع يسمح له ببدء تلك المحادثات بثقة ونفوذ. هذا هو ما سأكرس نفسي له بلا كلل. ومع ذلك، ليس لي أن أتكهن بما قد يحدث بمجرد بدء تلك المفاوضات أو كيف ستتطور- فهذا أمر يعود بالكامل لأوكرانيا لتقرره.
الصين تنتج المزيد والمزيد من الأسلحة. لديهم الآن شركتان صينيتان ضمن العشرة الأوائل من أكبر الشركات الدفاعية في العالم، بينما لم يكن عندهم أي شركة قبل عشر سنوات
* بعد قرار الرئيس جو بايدن بالسماح للأوكرانيين بضرب روسيا، بدأ الروس بالحديث عن النووي.هل أنت قلق؟
– يود الروس كثيرا لو ننشغل أنت وأنا بالحديث عن الأسلحة النووية. لذا اسمح لي أولاً أن أقول إن حلف “الناتو” يأخذ قضية الأسلحة النووية بجدية بالغة، ولا شك في ذلك. لكنني أقول إن الأمر برمته لا يعدو أن يكون استعراضا من الروس. إنهم يحبون أن ننشغل أنا وأنت بالحديث عن قدراتهم النووية، ولكننا لن ننشغل بذلك. من الجلي أن حلف “الناتو” يدعم حلفاءه بشكل كبير في عدم فرض قيود على أنظمة الأسلحة التي يرسلونها إلى أوكرانيا. وفي النهاية، الأمر متروك لكل حليف ليقرر ما إذا كان سيفرض قيودا على أنظمة الأسلحة التي يقدمها أم لا. ولكن دعنا لا نضيّعْ الكثير من الوقت في الحديث عن بوتين واستعراض عضلاته.
انقلاب العلاقة مع بوتين
* الموقف من روسيا مهم جداً. كيف تتوقع أن تكون العلاقات مع روسيا؟
– ستكون العلاقات معها مختلفة تماماً عما كانت عليه عندما حضرت أول قمة لـ”الناتو” عام 2010 في لشبونة، البرتغال. في ذلك الوقت، كان لدينا مجلس مشترك “الناتو-روسيا،” وكان الرئيس (ديمتري) ميدفيديف مشاركا، بينما كان بوتين يشغل منصب رئيس الوزراء لعدة سنوات. حضر ميدفيديف الاجتماع، وعقدنا لقاء مع الرئيس الروسي في القاعة. أما الآن، فمن الصعب تخيل اجتماع مع الرئيس بوتين في لاهاي أو مشاركته في قمة لـ”الناتو”. وهذا بحد ذاته يعكس مدى التغير الذي طرأ، والخسارة الكبيرة التي تكبدناها في علاقتنا معه نتيجة أفعاله.
بيد أن بوتين هو من بدأ بغزو القرم بعد دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي، وهو من شن الهجوم على الأقاليم الشرقية في أوكرانيا، مثل لوهانسك ودونيتسك. هذه التحركات غيّرت طبيعة العلاقة بين “الناتو” وروسيا بالكامل، وكان علينا أن نرد على ذلك. ثم في فبراير 2022، صعّد بوتين الأمر إلى ما يمكن وصفه بـ “المذبحة الشاملة” ضد أوكرانيا.
* واليوم؟
– هذا الوضع يعني ببساطة أنه لم يعد هناك أي علاقة فعلية مع روسيا اليوم، والأمور أصبحت مختلفة تماما. ومع ذلك، فإن روسيا تظل موجودة جغرافياً، مما يفرض علينا التفكير في طبيعة العلاقة بين “الناتو” وروسيا على المدى الطويل. لكن المشهد الآن يختلف بشكل جذري عما كان عليه في عام 2010، خلال فترة ولايتي الأولى كرئيس وزراء هولندا من 2010 إلى 2014.
* الصين هي القضية الكبرى الآن، السؤال الكبير، خاصة مع انتخاب ترمب. كلنا نسمع مثلا أن العلاقات مع الصين هي الأولوية القصوى بالنسبة للسيد ترمب. هل أنت قلق من أن الأميركيين في ظل قيادة ترمب سيدفعون “حلف شمال الأطلسي” ليكون في علاقات أكثر توترًا مع الصين؟
– دعنا أولا نؤكد حقيقة أننا داخل “الناتو” ناقشنا الصين باستفاضة وما نراه هو أن الصين تنتج المزيد والمزيد من الأسلحة. لديهم الآن شركتان صينيتان ضمن العشرة الأوائل من أكبر الشركات الدفاعية في العالم، بينما لم يكن عندهم أي شركة قبل عشر سنوات. إنهم يكثفون الإنتاج الصناعي الدفاعي والقاعدة الصناعية الدفاعية. إنهم، من خلال الاستخدام المزدوج والتحايل على العقوبات، يدعمون المجهود الحربي الروسي في أوكرانيا ويعملون مع كوريا الشمالية وإيران، والصين، وروسيا، الأربعة يعملون سويا لمساعدة روسيا في المجهود الحربي بشكل أساسي، وتدفع روسيا ثمن ذلك من خلال، على سبيل المثال، تكنولوجيا الصواريخ إلى كوريا الشمالية أو المال إلى إيران لتقوم إيران بعد ذلك بدعم “حزب الله” و”حماس” ووكلاء آخرين في الشرق الأوسط.
الدور الأساسي لحلف “الناتو” يتمثل في الحفاظ على أمن منطقة ما وراء الأطلسي، أي الأمن الأوروبي الأطلسي. وهذا يشمل 32 دولة
كل هذه الأمور مترابطة، وهذا يجعل من الضروري أن نركز على الصين بجدية. سنناقش هذا الملف، إلى جانب قضايا أخرى مثل الهجمات السيبرانية واستخدام الطاقة كسلاح، خلال اجتماع وزراء الخارجية في بروكسل بداية ديسمبر/كانون الأول. في الماضي، كان تركيزنا الأساسي منصبا على روسيا، ولكن مع التطورات الحالية، علينا أن نوسع تركيزنا ليشمل الصين أيضا، وأن نعمل كحلفاء داخل “الناتو” للدفاع عن أنفسنا ضد هذه التحديات.ولهذا السبب فإن تعاوننا مع الولايات المتحدة في هذا السياق لا يتأثر بقيادة ترمب أو بايدن بقدر ما هو نابع من شعورنا الجماعي كحلف شمال الأطلسي بأهمية التعامل مع الصين بحذر وعدم السذاجة.
* ماذا عن السياسة الأمنية الأوروبية، والسياسة الدفاعية؟ الآن هناك أصوات متزايدة، وأعتقد أن فرنسا ودولا أوروبية أخرى تضغط من أجل سياسة أوروبية أكثر استقلالية وأقل اعتمادا على أميركا..
– بهذا الخصوص، أنا سعيد جدا بفريق القيادة العليا في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك (أندريوس) كوبيليوس و(كاجا) كالاس، التي كانت بالمناسبة نظيرتي أثناء توليها رئاسة وزراء إستونيا. جميعهم يشغلون مناصب قيادية عليا، وأعتقد أننا جميعا متفقون على أهمية التعاون. سألتقي بـ(كوبيليوس) قريبا، لكنني على معرفة جيدة بجميع الآخرين، وقد أجرينا بالفعل نقاشات مطولة حول هذا الموضوع ونستمر في مناقشتها.
نتفق جميعا على ضرورة العمل المشترك بين الاتحاد الأوروبي وحلف “الناتو” الأوروبي، وأيضًا ضمن حلف “الناتو” ككل. لكن من الضروري تجنب تكرار الهياكل، أو بناء ما يمكن تسميته “هياكل مزدوجة”. يجب أن يكون هناك تكامل حقيقي، فما يميز حلف “الناتو” هو قدرته الكبيرة على وضع المعايير، بينما يمتلك الاتحاد الأوروبي أدوات القوة الناعمة، مثل قواعد السوق الداخلية التي تسهم في تعزيز التقدم الدفاعي. ومن هذا المنطلق، أعتقد أن بإمكان الاتحاد الأوروبي و”الناتو” أن يكونا متكاملين بالفعل.
* هل ترى أن ألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا ستلعب دورا قياديا أكبر داخل حلف “الناتو” في السنوات المقبلة؟
– في الواقع، تلعب هذه الدول دورا كبيرا بالفعل، كونها تمثل أكبر ثلاث اقتصادات في الجانب الأوروبي من حلف “الناتو”، إلى جانب كندا والولايات المتحدة على الجانب الأميركي. وبالطبع، يجب أن نضيف إلى القائمة إيطاليا كقوة اقتصادية كبيرة، وكذلك إسبانيا، ومن ثم تأتي هولندا.هذه الدول الثلاث بالفعل حلفاء مهمون للغاية، ولكنني لا أعتقد أنهم سيلعبون دورا أكبر من دورهم الحالي، بل سيستمرون في أداء الدور القيادي الكبير الذي طالما لعبوه.
لكنني أرحب بحقيقة أن فريق القيادة العليا في الاتحاد الأوروبي يولي اهتماما كبيرا لتعزيز التقدم الدفاعي، وضمان الحماية، خاصة في مجال الدفاع الصاروخي. ولكن في الوقت ذاته، من الضروري تجنب تكرار ما يقوم به حلف “الناتو”. لا جدوى من إنشاء مكاتب رئيسة جديدة أو بناء هياكل قيادة مكررة، لا سيما في ظل النقص في كبار الجنرالات. ما نحتاجه هو الاستفادة القصوى من الكفاءات العسكرية الممتازة التي نمتلكها بالفعل.
مكتب للحلف في الأردن
* بخصوص الشرق الأوسط، هناك قضايا مترابطة: مهمة “الناتو” في العراق، وزيارة الملك عبدالله الثاني، وافتتاح مكتب “الناتو” في عمّان، وأمن الخليج والطرق البحرية. كيف يتعامل “الناتو” مع هذه الملفات؟
– أقول بداية إن الدور الأساسي لحلف “الناتو” يتمثل في الحفاظ على أمن منطقة ما وراء الأطلسي، أي الأمن الأوروبي الأطلسي. وهذا يشمل 32 دولة، مع تركيز المادة 5 بشكل حصري على أراضي “الناتو”. ومن هذا المنطلق، لا نتدخل مباشرة في الشرق الأوسط، لكننا منخرطون بشكل غير مباشر. لدينا، كما ذكرتم، مهمة “الناتو” في العراق، ولدينا أيضا حلفاء داخل “الناتو” يتابعون بلا كلل الأزمات في غزة ومع “حزب الله”. وبالفعل، شهدنا نجاحات في المفاوضات التي قادها الفرنسيون والأميركيون. ورغم أنه لا ينبغي أن نكون متفائلين إلى حد السذاجة بالاعتقاد بأن الوضع في لبنان مستقر تماما، فإن الفرنسيين والأميركيين استطاعوا على الأقل المساعدة في التوصل إلى وقف لإطلاق النار.
لدينا علاقات قوية ومتعددة مع دول الخليج… ونركز على تعزيز الشراكات مع هذه الدول التي نعتبرها من الشركاء الاستراتيجيين
وكما أشرتم، سنفتتح مكتبا جديدا في عمّان، كجزء من استراتيجيتنا للتواصل مع دول الجوار الجنوبي. وهذا يشمل رغبتنا في العمل مع دول مثل تونس وموريتانيا والمغرب، وتعزيز التعاون مع شمال أفريقيا بشكل عام والشرق الأوسط على وجه الخصوص. ولهذا السبب لدينا علاقات وثيقة مع هذه الدول، ولدينا حتى ممثل خاص للجنوب يعمل على تطوير هذه الروابط. لكن بالطبع، هذه العلاقة تختلف نوعاً ما عن علاقة “الناتو” بالدول الأعضاء، حيث ينصب التركيز في تلك الحالة على الدفاع عن أراضي الحلف. لذلك، يجب أن نميز بوضوح بين النوعين من العلاقات.
وماذا عن الخليج؟
الأمر نفسه ينطبق على دول الخليج. لدينا علاقات قوية ومتعددة مع دول الخليج ونعمل معها عن كثب. ومع ذلك، فإن “الناتو” ليس معنيا بتوسيع نطاق أراضيه ليشمل الخليج أو المحيطين الهندي والهادئ. بل نركز على تعزيز الشراكات مع هذه الدول التي نعتبرها شركاء استراتيجيين نعمل معهم بشكل وثيق.
* ماذا عن الذكاء الاصطناعي والإرهاب، هل هما أولوية لـ”الناتو”؟
فيما يتعلق بالإرهاب، الذكاء الاصطناعي يلعب دورا مهماً. وهنا، علينا أن نضمن أولاً أن حلف “الناتو”، من خلال فريق القيادة العليا لقوات الحلفاء للتحول (SACT) وكذلك الفريق العامل في مقر الحلف في بروكسل، يملك خبراء بارزين في هذا المجال.ونحن على تواصل وثيق مع المؤسسات الأكاديمية الرائدة لضمان فهم تأثير أحدث التقنيات، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، سواء من الجانب الإيجابي أو السلبي.
*والإرهاب؟
فيما يتعلق بالإرهاب ككل، فإنه يظل أحد المهام الأساسية لحلف “الناتو”. هناك اتفاق تام بين أعضاء الحلف، وإنني أتفق تماما مع الرئيس التركي (رجب طيب) أردوغان عندما يذكرني دائما بأن مكافحة الإرهاب هي أيضًا جزء لا يتجزأ من عمل “الناتو”. وأنا على قناعة تامة بذلك.
هذا المحتوى من مجلة “المجلة”