تصاعد القتال في الأيام الأخيرة للسيطرة على نحو 200 ميل مربع (518 كم2) من الأراضي غربي روسيا، في وقت يبدو فيه الكرملين عازماً على إخراج الأراضي الروسية من معادلة التفاوض قبل محادثات محتملة مع إدارة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، لإنهاء الحرب، وفق صحيفة “واشنطن بوست”.
وقالت الصحيفة الأميركية في تقرير، السبت، إن أوكرانيا سيطرت على مساحات شاسعة من منطقة كورسك الروسية منذ توغلها المفاجئ عبر الحدود في أغسطس الماضي. ورغم فقدانها نحو نصف مكاسبها الأولية، لا تزال أوكرانيا تحافظ على موطئ قدم هناك.
ونقلت الصحيفة عن جنود أوكرانيين ومحللين عسكريين، قولهم إن روسيا أطلقت هجوماً مضاداً جديداً الأسبوع الماضي، حيث دفعت بأعداد كبيرة من الجنود إلى الخطوط الأمامية، كما نشرت ما لا يقل عن 10 آلاف جندي كوري شمالي في المنطقة، وفقاً لتقديرات الاستخبارات الأميركية.
ويأتي هذا الهجوم “الفوضوي والدؤوب”، حسب وصف الصحيفة، بعد انتخاب ترمب، الذي تعهد بإنهاء الحرب سريعاً، رئيساً للولايات المتحدة.
“ورقة مساومة”
وأشارت “واشنطن بوست” إلى أن توقيت الهجوم يعكس على ما يبدو إدراك الكرملين المتزايد لأهمية كورسك في أي محادثات مستقبلية، إذ تسعى روسيا لضمان أن تكون الأراضي الأوكرانية فقط محور النقاش إذا ما بدأت المفاوضات.
وقال كونستانتين ريمتشوكوف، رئيس تحرير صحيفة “نيزافيسيمايا جازيتا” الروسية والمقرب من دوائر الكرملين، لـ”واشنطن بوست”: “من الواضح أن موسكو لن تبدأ أي مفاوضات حتى طرد آخر جندي أوكراني من كورسك”.
وأضاف ريمتشوكوف أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لا يريد أن تُستغل كورسك كورقة مساومة في المفاوضات، كما أنه يرفض إجباره على التخلي عن أي من الأراضي الأوكرانية التي سيطر عليها منذ بدء الغزو الروسي.
ويرى ريمتشوكوف أن تصريحات بوتين الأخيرة بشأن ضرورة أن تعكس أي اتفاقية “الحقائق على أرض الواقع”، توضح آمال روسيا في استعادة السيطرة على كورسك.
واعتبرت “واشنطن بوست” تصعيد الكرملين لهجته المتشددة بشأن مفاوضات السلام الأسبوع الماضي، مؤشراً على أنه لن يكون أكثر استعداداً لتقديم تنازلات لإدارة ترمب المقبلة مما كان عليه مع إدارة الرئيس جو بايدن.
وفي مقابلة مع التلفزيون الروسي الحكومي، الأربعاء، بدا وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، وكأنه يرفض مسبقاً أي مقترحات لوقف الصراع، وتجميد خطوط الجبهة الحالية، كما يرى مقربون من ترمب.
ووصف لافروف هذا الاقتراح بأنه “أسوأ” من “اتفاقات مينسك”، التي تلت الحرب في شرق أوكرانيا عام 2014.
وكتب المدون العسكري الروسي، ميخائيل زفينتشوك، مؤسس قناة “رايبار” على تطبيق “تلجرام”، أن ترمب ربما يحاول الضغط على موسكو من خلال احتلال أوكرانيا لمنطقة كورسك، لكنه يتوقع استعادتها خلال الأسابيع أو الأشهر المقبلة.
وأضاف زفينتشوك: “أعتقد أن قضية كورسك ستُحسم في جميع الأحوال قبل تنصيب ترمب”.
ووصف زفينتشوك الهجوم الروسي الأخير بأنه “الموجة الثالثة” من هجوم مضاد مستمر، زعم أنه قضى على احتياطات أوكرانيا وإمداداتها اللوجستية في منطقة سومي الحدودية بأوكرانيا، ما مكن القوات الروسية من استعادة السيطرة على عدة مستوطنات.
بدوره، قال باسي باروينين، وهو محلل في مجموعة “بلاك بيرد” لتحليل المعلومات الاستخباراتية مفتوحة المصدر في هلسنكي، إن القوات الأوكرانية سيطرت على ما بين 386 و579 ميلاً مربعاً خلال أول أسبوعين من عملية كورسك في أغسطس الماضي.
مكاسب وخسائر
ومنذ ذلك الحين، شنت روسيا هجمات مضادة بشكل مستمر. ومع بدء الهجوم الحالي من 3 اتجاهات، توقع باروينين أن تتقلص الأراضي التي تسيطر عليها أوكرانيا بشكل أكبر في الأيام المقبلة.
لكن الهجوم الأخير لم يكن سهلاً بالنسبة للقوات الروسية، وفقاً لجنود أوكرانيين. فبعد أكثر من أسبوع من القتال المستمر، حققت روسيا مكاسب ضئيلة، بينما تكبدت خسائر كبيرة في الجنود والمعدات على طول الطريق.
وقال الأوكرانيون إنهم لا يزالون محتفظين بمواقعهم إلى حد كبير، رغم الضغوط المتزايدة.
وأوضح أوليكساندر، البالغ من العمر 39 عاماً ويعمل في مجال الاستخبارات بمنطقة كورسك لصالح “الفرقة 82″، إن القوات الأوكرانية دمرت أكثر من 50 مركبة روسية، بينها ناقلات جنود مدرعة ودبابات، في الأيام الأخيرة.
وأضاف أن الجنود الروس يواصلون تكرار أخطائهم، مثل التحرّك على طرق تسيطر عليها قوات أوكرانية، وتفويت منعطفات، وإطلاق النار على مواقع مشاة تابعة لهم.
وأفاد أوليكساندر بأنه شاهد عملية قتل لجنود أسرى بشكل فوري من خلال لقطات بطائرة مسيرة. وطلب من “واشنطن بوست” أن يُذكر اسمه الأول فقط احتراماً للقوانين العسكرية.
وقالت “واشنطن بوست”، إن شهادة أوليكساندر تأتي في ظل تقارير مستمرة عن معاملة الجنود الروس للأسرى الأوكرانيين بطريقة وحشية.
وشهد أوليكساندر، الاثنين، استيلاء جنود روس على موقع أوكراني، حيث أسروا جنديين وأطلقوا النار عليهما، في لقطات تم التحقق منها لاحقاً من قبل “واشنطن بوست”.
وردت القوات الأوكرانية بإطلاق وابل من الطائرات المُسيرة على الروس في محاولة لقتلهم وتدمير مركبتهم، بحسب أوليكساندر.