هل تُكرر أمريكا مأساة “أرخبيل تشاجوس” في غزة؟!
17 فبراير 2025 – 08:52



انتهت في أكتوبر 2024 الماضي، مأساة “أرخبيل تشاجوس”، بعد عقود من النزاع؛ والذي تُحاول الولايات المتحدة الأمريكية تكراره في قطاع غزة بحق قرابة الـ 2 مليون و500 ألف مواطن فلسطيني عبر تهجيرهم القسري عن أرضهم وموطنهم إلى دول مجاورة.
وقد أثارت خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بخصوص غزة، وتهجير سكانها إلى دول الجوار، الكثير من ردود الفعل؛ المُنددة والرافضة والمذهولة من اقتراح خطة تتعارض مع القانون الدولي والإنساني؛ لا سيما فيما يتعلق بـ “التهجير القسري” لأصحاب الأرض.
وحذرت عدة جهات من أن التهجير القسري لسكان قطاع غزة من أرض ميلادهم وأجدادهم، يمكنه أن يشعل نار صراعات في المنطقة، ويدخلها أتون الحرب لوقت لا يعلم مداه.
المثير أن الخطة الأمريكية الغريبة، التي لاقت رفضًا عربيًّا ودوليًّا فوريًّا، ليست الأولى في التاريخ الإنساني، وإنما هناك مثيل في بشاعتها؛ لا سيما قصة “أرخبيل تشاجوس” الموريشيسية، والتي سقطت من سجلات التاريخ، وذهبت في طي النسيان، والتي تعتبر الفاجعة الأولى في هذا المجال.
فما هي قصة “تشاجوس”، والقاعدة العسكرية الأمريكية في “دييجو جارسيا”؟.. وكيف سرقت أمريكا أمة كاملة وأسقطتها من السجل التاريخي؟.. وما هو دور بريطانيا في ذلك؛ والتي عبرت في أكثر من مناسبة عن رفضها لـ “تهجير غزة”، بينما ساهمت قبل 108 أعوام بـ “نكبة” فلسطين الأولى!.
الحرية في المرة القادمة..
أورد الصحفي الأسترالي جون بلجر، في كتابه “الحرية في المرة القادمة”، وتحديدًا في الفصل الأول منه؛ “سرقة أمة”، قصة مأساوية، تشبه الخطة الأمريكية لتهجير سكان غزة، ولكن هذه المرة في قلب إفريقيا في ستينيات القرن الماضي.
تعود أصول السكان في أرخبيل تشاجوس، الذي يتبع موريشيوس، وتحتله بريطانيا، إلى موزمبيق ومدغشقر حينما أحضرتهم فرنسا كعبيد في القرن الـ 18 الميلادي للعمل في مزارع جوز الهند.
كان السكان الأصليون يعيشون على صيد الأسماك وزراعة الطماطم، والباذنجان، واليقطين، وتربية الماعز والدجاج والبط، بينما اتسمت حياتهم بالهدوء والبساطة؛ قبل أن تنقلب وتتحول إلى جحيم حينما قررت الولايات المتحدة إنشاء قاعدة عسكرية في قلب المحيط الهندي، ووقع اختيارها على تلك الجزيرة.
وصل تعداد السكان لنحو 2000 نسمة؛ هم تعداد الأرخبيل، ومعظمهم يقطن في جزيرة “دييجو جارسيا” التي تقع في منتصف المسافة تقريبًا بين قارتَي إفريقيا وآسيا، أصبحت حياتهم بين ليلة وضحاها جحيمًا لا يطاق، بعد اتفاق أمريكي بريطاني “سري”.
ويوضح الكاتب “بلجر”: “فبموجب اتفاق بريطاني-أمريكي، أُحيط بالسرية والكتمان، تقرر تهجير سكان الجزيرة إلى سيشل وموريشيوس، ليخلو الجو للأمريكيين لبناء قاعدتهم المهيبة، مقابل أن تمنح واشنطن حليفتها لندن غواصة نووية من نوع بولاريس بخصم 14 مليون دولار”.
هكذا بدأت المأساة..
كان الأمر ببساطة، كما يروي “بلجر” في فصل “سرقة أمة”، أن اتفق الحليفان (واشنطن ولندن) على تهجير السكان، وذلك بإعلان استقلال موريشيوس، شرط أن تحتفظ بريطانيا بأرخبيل تشاجوس، في مقابل منح الاستقلال و3 ملايين جنيه إسترليني فقط. وهكذا بدأت المأساة.
بدأت مأساة التهجير بخطة مُحكمة؛ إذ توقفت سفن المنتجات الغذائية والألبان عن الرسو في ميناء “دييجو جارسيا”، وحاولت لندن وواشنطن تجويع السكان، وخلق أزمة مجاعة في الجزيرة الهادئة.
التهجير؛ مصير مأساوي..
وعندما فشلت خطة التجويع بدأت الشائعات في التواتر بأن الجزيرة سوف تقصف بالقنابل، ثم أرسل البلدان الحليفان برسالة إنذار إلى السكان، وذلك عن طريق قتل كلابهم الذين يرتبطون معهم بروابط وثيقة، بالغاز والحرق، في إشارة إلى أن التالي سيكون السكان.
ويذكر الصحفي الأسترالي أن السكان عندما نفدت منهم الحيل للبقاء في مساكنهم وأرضهم، التي عاش فيها آباؤهم وأجدادهم لنحو قرنين من الزمان، قرروا ركوب السفن التي ستأخذهم بعيدًا عن وطنهم.
ووفقًا للكاتب، فإن السكان واجهوا مصيرًا مأساويًّا في المناطق التي هُجّروا إليها؛ إذ لم يجدوا المسكن وقطعة الأرض والحيوانات التي وُعدوا بها كما كان الحال في “تشاجوس”، واضطروا للسكن في مناطق ومنازل غير آدمية، والعمل في أعمال لا يجيدونها، أو أُجبروا عليها.
عودة أرخبيل تشاجوس..
وعلى الرغم من الاتفاق الذي أبرمته بريطانيا آنذاك مع دولة موريشيوس، التي يتبع لها أرخبيل تشاجوس، إلا أن النزاع ظل قائمًا بين البلدين على الأرخبيل.
ففي مارس من عام 2015 أصدرت المحكمة الدائمة للتحكيم المعنية بتسوية النزاعات بين الدول قرارًا، ينص على أن المنطقة البحرية المحمية التي أعلنتها المملكة المتحدة حول أرخبيل تشاجوس في عام 2010 تنتهك القانون الدولي.
وفي فبراير عام 2019 طالبت محكمة العدل الدولية بريطانيا بإنهاء ما وصفته بـ “الاحتلال غير القانوني” لأرخبيل تشاجوس.
وبعد ذلك بـ 3 أشهر صوّتت الجمعية العامة بأغلبية 116 دولة على قرار يطالب بإعادة الأرخبيل لموريشيوس بدون قيد أو شرط في غضون فترة لا تزيد على 6 أشهر.
وفي أكتوبر 2024 الماضي أعلنت لندن أنها ستُسلّم أرخبيل تشاجوس إلى دولة موريشيوس بعد عقود من النزاع، وأن الاتفاق يشمل أيضًا جزيرة “دييجو جارسيا”، التي تستضيف القاعدة الأمريكية.
دولة موريشيوس؛ ورسميًا جمهورية موريشيوس، هي جزر صغيرة بوسط المحيط الهندي تبعد عن مدغشقر حوالي 860 كيلومترًا، وحوالي 2000 كيلومتر قبالة الساحل الجنوبي الشرقي لشرق إفريقيا.
تشمل الجزيرة الرئيسية، بالإضافة إلى جزر رودريغيز وأغاليغا وسانت براندون، عاصمتها بورت لويس، وتتحدث اللغة الإنجليزية كـ “لغة رسمية”، وتقع على مساحة 2040 كيلومترًا مربعًا، وتعداد سكانها وصل عام 2023 لقرابة مليون و261 ألف نسمة.