امتلك الحزب الجمهوري الأميركي ثلاثية حاكمة قوية بالسيطرة على مجلس النواب، الأربعاء، إذ حصد الجمهوريون 218 مقعداً من أصل 435 في مجلس النواب مشكلين بذلك الأغلبية، كما حقق الحزب أغلبية بسيطة بـ53 مقعداً في مجلس الشيوخ المؤلف من 100 مقعد.
ومع وجود الجمهوريين في الرئاسة ومجلسيْ الشيوخ والنواب في واشنطن، قد يضمن ذلك تنفيذ أجندة الرئيس المنتخب دونالد ترمب ذات التوجه المحافظ بشكل كبير.
ومع ذلك، فإن الاحتفاظ بالأغلبية في مجلس النواب بفارق ضئيل قد يمثل تحدياً في صياغة السياسات، خاصةً في ظل الانقسامات الأيديولوجية داخل الكتلة الجمهورية، التي كانت تعرقل تمرير مشاريع القوانين المحافظة على مدى العامين الماضيين.
ولا تعد السيطرة الثلاثية 2024 تجربة جديدة على ترمب، ففي عام 2017 وفي ولايته الأولى، أحرز الجمهوريون سيطرة على ثلاثية الحكم. بالإضافة إلى ترمب في البيت الأبيض، كان ميتش ماكونيل في مجلس الشيوخ، وبول رايان زعيم الأغلبية في مجلس النواب.
وتحدث خبراء إلى “الشرق” عن التأثيرات المحتملة للسيطرة الجمهورية على البيت الأبيض ومجلس الشيوخ والنواب، إذ رجحوا أن يمكن مجلسيْ الشيوخ والنواب، ترمب من التحرك بسهولة فيما يخص تعيينات القضاة، ومتابعة أولوياته السياسية بما في ذلك، الضرائب والتعريفات الجمركية والهجرة.
تداعيات السيطرة على الكونجرس
خلال ولايته الأولى، استطاع ترمب تعزيز سلطته من خلال سلسلة من الإجراءات التي أكدت التوجه المحافظ لإدارته، كما قام بتسريع تعيين القضاة، ما أدى إلى إعادة تشكيل المحاكم الفيدرالية والمحكمة العليا بأغلبية من المحافظين.
ومن بين هذه التعيينات، تمكن من الحصول على تأكيد تعيين 234 قاضياً، بما في ذلك ثلاثة بالمحكمة العليا لعبوا دوراً حاسماً في إلغاء قضية “رو ضد وايد”، التي كانت تدعم حقوق الإجهاض.
وإضافة إلى ذلك، وخلال ولايته الأولى، لم يواجه ترمب انتقادات قوية أو مساءلة حقيقية عن سياساته أو خطاباته، مثل حظر سفر المسلمين أو إغلاق الحكومة للضغط من أجل تمويل الجدار الحدودي.
وفي ولايته الثانية، مع سيطرة الجمهوريين على مجلسيْ النواب والشيوخ، سيكون ترمب قادراً على اتخاذ القرارات المتعلقة بالقضايا وتنفيذ سياساته وتعيين القضاة الشخصيات التي يفضلها في مناصب حكومية رفيعة، دون مواجهة عرقلة من الديمقراطيين، كما قال أستاذ القانون والسياسة العامة ومدير استطلاع كلية الحقوق في جامعة “ماركيت” تشارلز فرانكلين.
ورجح فرانكلين، في حديث مع “الشرق”، أن يعزز ترمب الوحدة بين أعضاء حزبه في مجلس النواب، وهو أمر مهم بالنظر إلى الخلافات الأيديولوجية بين الجمهوريين التي منعت تمرير بعض التشريعات في الكونجرس السابق، وذلك في سبيل تحقيق أجندته بكل سلاسة وفعالية.
ويتفق عميد كلية “شار للسياسة” في جامعة جورج ماسون، مارك روزيل مع فرانكلين في أن السيطرة الجمهورية على الكونجرس “تتيح لترمب فرصة جيدة لتنفيذ أجندته السياسية بسرعة”.
وقال روزيل لـ”الشرق” إن هذا يعود إلى أن “الحزب، الذي يمتلك الأغلبية في مجلسي الكونجرس، يتمتع بسلطة إدارة اللجان التشريعية وتوجيه مسار التشريعات، حيث يمتلك الأغلبية في كل لجنة ويرأسها، ما يمنحه قوة كبيرة في تمرير القوانين التي تتماشى مع أهدافه”.
وتوقع روزيل أن يحاول ترمب التحرك بسرعة لتطبيق السياسات التي ركز عليها خلال حملته الانتخابية، مثل خفض الضرائب، وفرض التعريفات الجمركية، وتشديد سياسات الهجرة، قائلاً إن هذه القضايا “كانت محورية في خطابه الانتخابي، ويسعى لاستثمار فترة وجوده في السلطة إلى أقصى حد ممكن لتحقيقها قبل مواجهة أي معارضة أو تعقيدات محتملة”.
وبينما لفت الباحث السياسي ومستطلع الآراء الانتخابية زاك مكيري، في حديث لـ”الشرق”، إلى فرصة الجمهوريين لدفع أجندة الرئيس ترمب قدماً في ظل سيطرتهم على الكونجرس، أشار إلى الأغلبية الضيقة في مجلس النواب التي تجعل من الصعب تمرير التشريعات التي تتسم بالضخامة أو الجدل.
وقال مكيري إن هذا يعني “أن أي قانون يتطلب دعماً جماعياً قد يواجه تحديات، نظراً لوجود هامش صغير من المقاعد لصالح الجمهوريين، ما قد يعقد عملية تمرير القوانين إذا حدثت انشقاقات أو اعتراضات من بعض الأعضاء الجمهوريين”.
وفي المقابل، مع أغلبية 53-47 في مجلس الشيوخ، أكد مكيري على أن ترمب يتمتع بفرصة جيدة للمصادقة على معظم الترشيحات التي يقدمها للوظائف الحكومية أو القضائية، حيث توفر هذه الأغلبية دعماً كافياً لتمرير الترشيحات دون الحاجة إلى تأييد كبير من الديمقراطيين، ما يتيح هذا له مرونة أكبر في اختيار الأفراد وتعيينهم، ويسهم في تشكيل السياسات والإجراءات وفق رؤيته.
القرارات والتشريعات المُنتظرة
وخلال فترة ولايته الأولى، تركزت جهود ترمب بشكل كبير على الإجراءات التنفيذية التي يمكنه اتخاذها بشكل مباشر، مثل فرض التعريفات الجمركية، سياسات الهجرة، وإدارة العلاقات الدولية.
وأشار فرانكلين إلى أن بعض هذه القرارات تقع ضمن نطاق سلطاته التنفيذية ولا تتطلب موافقة الكونجرس، ما يمنحه مرونة في تنفيذ أولوياته دون الحاجة إلى مواجهة المعارضة التشريعية، قائلاً “يتمتع ترمب كرئيس بسلطة كبيرة على التعريفات الجمركية دون الحاجة إلى موافقة الكونجرس”.
من جانبه، لفت أستاذ الشؤون الحكومية في جامعة كورنيل، ريتشارد بنسل، إلى أن بعض التخفيضات الضريبية التي أقرها ترمب في ولايته الأولى ستنتهي قريباً، لذا سيكون هناك قرار رئيسي سريع حول ما إذا كان سيتم تمديد أو تغيير تلك التخفيضات الضريبية.
وقال بنسل لـ”الشرق” إن هذه التخفيضات “تؤثر على فئات واسعة، بما في ذلك الأفراد والشركات الكبرى، ما يجعل من الصعب الوصول إلى اتفاق حول تمديدها أو تعديلها، وقد تثير هذه القضية جدلاً سياسياً بين الأطراف المختلفة في الكونجرس”.
من ناحية أخرى، أشار مكيري إلى قضايا أخرى مثل تأمين الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، وهي إحدى أولويات ترمب، قائلاً إن هذه القضية تتطلب تطبيق سياسات معقدة قد تواجه صعوبات قانونية أو تشريعية.
وأضاف: “قد تتطلب الإجراءات الجديدة تغييرات في القوانين أو الموافقة على تمويل إضافي لبناء السور أو تعزيز الإجراءات الأمنية، ما يجعلها مسألة صعبة”.
أما سياسة فرض التعريفات الجمركية على الصين، وهو أمر كان من أولويات ترمب الاقتصادية، رجح مكيري أن تؤدي إلى توترات مع الشركات الأميركية التي تعتمد على التجارة مع الصين.
وقال: “قد تتضرر هذه الشركات من فرض التعريفات، وبالتالي قد تكون هناك مقاومة لسياسات ترمب من داخل الحزب الجمهوري أو من الشركات المتضررة”.
واعتبر مكيري أن خفض التضخم، الذي يعد هدفاً مهماً لترمب، يتطلب التنسيق بين سياسات مالية ونقدية، موضحاً أن الوصول إلى هذا الهدف “يتطلب وقتاً وقد لا يكون سهلاً أو سريعاً”.
وأضاف: “بشكل عام، رغم أن هذه القضايا تحظى بتأييد شعبي، إلا أن تنفيذها في الواقع يواجه صعوبات قانونية وتنفيذية معقدة”.
هل يعرقل الديمقراطيون الأجندة الجمهورية؟
ويحظى الجمهوريون بالأغلبية في الكونجرس الأميركي، لكن أغلبيتهم ضئيلة وهو ما يفرض العديد من التحديات على الحزب، في القضايا والسياسات الجدلية.
وعلى الرغم من تأكيد روزيل على محدودية دور الحزب الديمقراطي وضعفه في مقاومة الأجندة التشريعية للرئيس، خاصة إذا استطاع الحفاظ على التزام أعضاء حزبه بالتصويت الموحد على مشاريع القوانين، إلا أنه أشار إلى الهامش الضيق للأغلبية في مجلس النواب، والذي قد يؤدي، حال حدوث أي انشقاق من قبل عدد من الجمهوريين، إلى إفشال مشاريع القوانين المقترحة.
من جانبه، لفت بنسل إلى قاعدة “التعطيل”، وهي إجراء برلماني يُستخدم في مجلس الشيوخ الأميركي لتأخير أو منع التصويت على مشروع قانون أو قضية معينة.
ويمكن لأحد أعضاء المجلس، أو مجموعة منهم، إطالة النقاش إلى أجل غير مسمى، ما يعطل تقدم التشريع في مجلس الشيوخ، التي قد تمثل عقبة قد تحد من قدرة الجمهوريين على تمرير معظم سياساتهم برغم سيطرتهم على الكونجرس والرئاسة، كما قد يستخدم الديمقراطيون تلك القاعدة لتعطيل تمرير التشريعات.
وقال بنسل إنه “ما لم يتم إلغاء قاعدة التعطيل في مجلس الشيوخ، والتي يتطلب إلغاؤها 60 صوتاً لصالح ما يُسمى بالإجراء الإجرائي لإنهاء النقاش، من أجل تمرير التشريعات، سيكون الجمهوريون مجبرين على الحصول على دعم 6 أو 7 ديمقراطيين بجانب عدد أصواتهم الـ 53، “هذا قد يكون صعباً للغاية”.
وتابع بنسل قائلاً إن “الأغلبية الجمهورية الضيقة في مجلس النواب تمنح المحافظين المتشددين نفوذاً لفرض سياسات عبر التهديد بمنع تمرير القوانين ما لم تُقدَّم تنازلات”.
وأضاف: “هذه التنازلات قد تجعل تمرير القوانين في مجلس الشيوخ مستحيلاً، بسبب اختلاف المواقف بين الحزبين. هذه الظروف تشير إلى احتمال مواجهة الجمهوريين تحديات داخلية وصراعات مع الديمقراطيين رغم سيطرتهم الكاملة”.
من جانبه، لفت مكيري إلى أن أغلبية الجمهوريين الضيقة في مجلس النواب تصبح أكثر ضيقاً مع اختيار ترمب بعض أعضاء مجلس النواب لشغل أدوار في إدارته، وسيستغرق الأمر عدة أشهر لإجراء انتخابات جديدة لتحل محلهم، من بينهم النائب مايك والتز الذي اختاره ترمب كمستشار للأمن القومي والنائبة إليز ستيفانيك، التي اختارها سفيرة لدى الأمم المتحدة.
واستبعد مكيري أن يحصل ترمب على أي دعم تقريباً من الديمقراطيين لسياساته الكبيرة المثيرة للجدل، لكن مكيري استدرك قائلاً: “مع ذلك، يمكن لترمب سنها، إذا كان قادراً على توحيد الجمهوريين بالكامل”.
وأضاف: “من الصعب القيام بذلك، وهناك العديد من الجمهوريين الذين يمثلون المناطق ذات الميول الديمقراطية والذين لن يكونوا راغبين في دعم السياسات المثيرة للجدل التي يتبناها الرئيس ترمب”.