في خطوة قد تُحدث تحولاً في مسار الصراع بأوكرانيا، قررت الولايات المتحدة السماح لكييف باستخدام الأسلحة الأميركية بعيدة المدى لتنفيذ ضربات داخل الأراضي الروسية، وهو مطلب طالما سعت إليه أوكرانيا منذ بداية الحرب.
ويهدف القرار الذي يأتي في خضم معركة مستمرة منذ أكثر من عامين، إلى تقليل قدرات روسيا العسكرية عبر استهداف مواقع حيوية داخل أراضيها، ويعكس تغيراً في الموقف الأميركي بعد فترة طويلة من التحفظ، بينما يرى بعض الخبراء أن هذه الخطوة قد تُعقد قدرة موسكو على الرد، لكن يبقى تأثيرها الفعلي على سير المعركة رهيناً بشروط استخدامها.
واعتبرت وكالة “أسوشيتد برس”، أنه لم يكن من الواضح ما إذا كانت هناك أية قيود على استخدام كييف لنظام الصواريخ التكتيكية للجيش ATACMS، كما كان الحال مع أنظمة الصواريخ الأميركية الأخرى، مشيرة إلى أنه من الممكن أن يقتصر نشرها، على الأقل في البداية، على منطقة كورسك الروسية.
ومنذ بداية الحرب في عام 2022، يضغط القادة الأوكرانيون على حلفائهم الغربيين للسماح لهم باستخدام أسلحة متقدمة لضرب أهداف رئيسية داخل روسيا، وهي الخطوة التي كانوا يأملون في أن تؤدي إلى تقليص قدرات موسكو العسكرية قبل أن تصل قواتها إلى الجبهة الشرقية، كما أنها ستجعل من الصعب على روسيا شن ضربات على الأراضي الأوكرانية، فضلاً عن أنها يمكن أن تكون بمثابة قوة ردع في حال حدوث أي مفاوضات لوقف إطلاق النار في المستقبل.
لكن واشنطن ظلت تعارض هذه الخطوة، إذ كان الرئيس جو بايدن حريصاً على تجنب أي تصعيد قد يؤدي إلى جر الولايات المتحدة وأعضاء آخرين في حلف شمال الأطلسي “الناتو” إلى الدخول في صراع مباشر مع روسيا المُسلَحة نووياً.
ويأتي هذا القرار في الأيام الأخيرة من فترة ولاية بايدن، وقبل تنصيب الرئيس المُنتخَب دونالد ترمب الذي صرَح طوال حملته الانتخابية بأنه سيعمل على إنهاء الحرب بسرعة، وهو ما يثير مخاوف الكثيرين من أنه قد يجبر كييف على تقديم تنازلات غير مقبولة.
ما الذي يسمح به بايدن لأوكرانيا؟
وفقاً لما نقلته “أسوشيتد برس” عن مسؤول أميركي و3 مصادر آخرين مطلعين، فإن بايدن سمح لأوكرانيا باستخدام صواريخ ATACMS لضرب أهداف أعمق داخل الأراضي الروسية.
ووفقاً للوكالة، فإنه من المحتمل أن يتم استخدام هذه الصواريخ، الأطول مدى، رداً على قرار كوريا الشمالية إرسال قوات لدعم القوات الروسية، حسب أحد مصادرها، إذ يبدو أنه يتم نشر قوات بيونج يانج لمساعدة الجيش الروسي في طرد القوات الأوكرانية من منطقة كورسك الحدودية الروسية.
ويعد هذا القرار هو المرة الثانية التي تسمح فيها واشنطن لكييف باستخدام أنظمة أسلحتها داخل الأراضي الروسية، فبعد أن هدد الهجوم الروسي على منطقة خاركيف باستنزاف خطوط الدفاع الأوكرانية في مايو الماضي، سمح بايدن باستخدام أنظمة HIMARS، التي يبلغ مداها 80 كيلومتراً (50 ميلاً)، لصد هذا الهجوم في ذلك الوقت، وقد ساعد هذا القرار على استقرار الموقف لفترة من الوقت، من خلال إجبار القوات الروسية على سحب بعض أصولها العسكرية.
لماذا تحتاج أوكرانيا إلى أسلحة أطول مدى؟
لطالما طالبت كييف حلفائها الغربيين بأسلحة أطول مدى من أجل تغيير ميزان القوى في الحرب، إذ تتمتع روسيا بموارد أكبر، وتأمل أوكرانيا أن تساعد هذه الأسلحة في ضرب القواعد الجوية ومستودعات الإمدادات ومراكز الاتصالات التي تقع على بُعد مئات الكيلومترات عبر الحدود.
كما تأمل في أن تساعد هذه الأسلحة في تقويض قوة روسيا الجوية وإضعاف خطوط الإمداد التي تحتاجها لشن ضربات يومية ضدها.
وفي حال تم استخدام هذه الأسلحة في منطقة كورسك، فمن المرجح أن تُجبر القوات الروسية على الاستعداد لهجمات مضادة ولتحريك معداتها العسكرية وجنودها، ما سيؤدي إلى تعقيد خطط المعركة.
وفي ظل عدم قدرتها على استخدام الأسلحة الغربية، كانت أوكرانيا تضرب روسيا بانتظام بأسلحة محلية الصُنع، والتي يمكن لبعضها السفر لمسافة تصل إلى 1000 كيلومتر (620 ميلاً)، لكنها لا تزال تفتقر إلى الكميات الكافية منها لإحداث ضرر كبير طويل الأمد.
هل سيغير القرار مسار الحرب؟
يعتمد تأثير هذا القرار على الشروط التي سيتم وضعها لاستخدام هذه الأسلحة، فإذا تم السماح بشن ضربات في جميع أنحاء روسيا، فإن ذلك قد يؤدي إلى تعقيد قدرة موسكو بشكل كبير على الاستجابة لمتطلبات ساحة المعركة، أما إذا اقتصرت على منطقة كورسك فقط، فقد تقوم روسيا بنقل مراكز القيادة والوحدات الجوية إلى مناطق أخرى قريبة، ما سيخفف من حدة تأثير هذه التحديات اللوجستية، وهذا يعني أن العديد من الأهداف عالية القيمة التي أعرب المسؤولون الأوكرانيون عن رغبتهم في ضربها قد تظل بعيدة المنال.
من جانبهم، يتعامل القادة الأوكرانيين مع القرار الأميركي بحذر شديد، إذ قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي: “اليوم، يتحدث الكثيرون في وسائل الإعلام عن أننا حصلنا على إذن لتنفيذ الإجراءات المناسبة، لكن الضربات لا تتم بالكلمات. مثل هذه الأشياء لا يتم الإعلان عنها، بل الصواريخ ستتحدث عن نفسها”.
وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية “البنتاجون”، الجنرال تشارلي ديتز، إن “صواريخ ATACMS لن تكون هي الحل للتهديد الرئيسي الذي تواجهه أوكرانيا من القنابل الانزلاقية الروسية، والتي يتم إطلاقها من مسافة تزيد عن 300 كيلومتر (180 ميلاً)، ما يتجاوز مدى صواريخ ATACMS”.
فيما يقول القادة الأوكرانيون أيضاً إن القوات الروسية كان لديها ما يكفي من الوقت لسحب معداتها العسكرية خارج مدى الصواريخ في الوقت الذي استغرقته الولايات المتحدة لاتخاذ القرار.
ونقلت “أسوشيتد برس” عن جليب فولوسكي، وهو محلل في مركز مبادرات CBA للأبحاث، قوله: “لقد جاء القرار متأخراً جداً، ففي حال كان قد تم اتخاذه في بداية الخريف، لكان من الممكن أن يعطل الهجوم الروسي المضاد في منطقة كورسك، ولو تم اتخاذه في وقت أبكر، لكان من الممكن أن يعرقل الهجوم في اتجاه بوكروفسك”.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن العدد الإجمالي الذي سيتم تزويد أوكرانيا به من صواريخ ATACMS يبدو قليلاً، ولذلك تساءل بعض المسؤولين الأميركيين عما إذا كان بإمكانهم تزويد كييف بعدد كافٍ منها لإحداث فرق، لكن بعض أنصار أوكرانيا يقولون إن مجرد توجيه عدد قليل من الضربات في العُمق الروسي سيجبر جيش موسكو على تغيير مواقع انتشاره واستخدام المزيد من موارده، بحسب الوكالة.
وذكرت “أسوشيتد برس” أن القرار الأميركي الأخير قد يشجع أيضاً بريطانيا وفرنسا على السماح لأوكرانيا باستخدام صواريخ “ستورم شادو” و”سكالب”، التي يصل مداها إلى 250 كيلومتراً (155 ميلاً).
ما هو نظام ATACMS؟
صواريخ ATACMS الباليستية، التي تصنعها شركة “لوكهيد مارتن” الأميركية المتخصصة في الفضاء والدفاع، قادرة على ضرب أهداف على مسافة تصل إلى 300 كيلومتر (190 ميلاً)، أي حوالي ضِعف مدى معظم الأسلحة الموجودة في ترسانة أوكرانيا، ويمكن لهذه الصواريخ تنفيذ هجمات دقيقة على المطارات ومستودعات الذخيرة والبنية التحتية الاستراتيجية.
وقدمت الولايات المتحدة صواريخ ATACMS لكييف في العام الماضي، وتم استخدامها لتدمير أهداف عسكرية في الأراضي التي تحتلها موسكو في كييف، ولكن ليس على الأراضي الروسية.