بعد ترقب دام لأسابيع، عقدت سوريا مؤتمر الحوار الوطني الذي لطالما رددت الإدارة الانتقالية السورية أنه سيكون جامعاً لكل أطياف الشعب السوري، لكن العديد من الأطراف غابت عن المؤتمر الذي عقد الثلاثاء.
والدعوة للمشاركة في مؤتمر الحوار، وأسلوبها، وقصر الفترة الممنوحة لتلبيتها، شكلت الأسباب الرئيسة لتعذر مشاركة العديد من السوريين المقيمين خارج البلاد، إذ أعلن العديد منهم اعتذارهم عبر صفحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة أنهم تلقوا دعوات للمشاركة برسائل عبر ذات الوسائل أو “واتس آب” قبل الموعد المحدد بيومين فقط.
كتب أستاذ القانون الدستوري المعروف، سام دلة، الاثنين، على صفحته في فيسبوك: “تلقيت دعوة، بعد منتصف الليل، لحضور مؤتمر الحوار الوطني السوري الذي سيعقد الثلاثاء في دمشق، واعتذرت نظراً لاستحالة الوصول إلى دمشق الحبيبة، كذلك لأنني لا أرى في طريقة وتوقيت إرسال الدعوة جدية بالتعاطي مع هكذا استحقاق وطني”.
بدوره، قال جهاد مقدسي، الدبلوماسي والناطق الإعلامي باسم وزارة الخارجية والمغتربين سابقاً، وعضو منصة القاهرة للمعارضة السورية، الاثنين: “تمت دعوتي اليوم لحضور مؤتمر الحوار الوطني السوري الذي سيعقد غداً في دمشق، لكنني اعتذرت نظراً لصعوبة الوصول السريع من واشنطن إلى دمشق الغالية”.
والحال ذاته كان بالنسبة لرئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة سابقاً، جورج صبرا، الذي اعتذر “لضيق الوقت بين الدعوة وانعقاد المؤتمر، فأنا أعيش في باريس”.
ومن بين المعتذرين أيضاً الدبلوماسي المنشق وعضو اللجنة العليا للمفاوضات ورئيس مكتبها القانوني خلال عامي 2016 و2017، حسام حافظ، والذي أوضح أنه لم يستطع الحضور إلى دمشق للمشاركة لأنه يحتاج لإصدار الإذن بالمغادرة (حيث يقيم حالياً) لمرة واحدة، إضافة إلى تعقيدات وصعوبة إجراءات السفر في ظل هذا الإشعار قصير المدى.
ما وقع مع حافظ حدث أيضاً للمديرة التنفيذية لمنظمة “فريدوم جاسمن” بتركيا ياسمينا بنشي، وأيضاً الروائي والصحافي والشاعر السوري المقيم في ألمانيا إبراهيم الجبين، والإعلامي حازم العريضي.
وغاب عن المؤتمر لتلقيه الدعوة أثناء زيارته إلى روسيا، رئيس حزب “الإرادة الشعبية” ونائب رئيس الوزراء الأسبق ورئيس منصة موسكو المعارضة، قدري جميل.
أحزاب “الإدارة الذاتية” لم تدع
اعتبرت “الإدارة الذاتية” في شمال وشرق سوريا، في بيان لها الثلاثاء، أن “مؤتمر الحوار الوطني” لا يمثل الشعب السوري، مؤكدة أنها لن تكون جزءاً من تطبيق مخرجاته، بعد استثنائها من الدعوة لحضوره.
وقالت الإدارة، التي تسيطر على محافظات دير الزور والرقة والحسكة بمساحة تعادل ربع مساحة البلاد، إن “هذا المؤتمر لا يمثّل الشعب السوري، ونحن، كجزء من سوريا، ولم يتم تمثيلنا، نتحفظ على هذا المؤتمر شكلاً ومضموناً، ولن نكون جزءاً من تطبيق مخرجاته”.
كما انتقد 35 حزباً تنشط جميعها في مناطق الإدارة الذاتية، ومن بينها حزب الاتحاد الديمقراطي، أكبر الأحزاب الكردية في سوريا، طريقة التمثيل في المؤتمر، وقالت إن “مؤتمر الحوار الوطني الحقيقي يجب أن يكون شاملاً، يضم ممثلي جميع المكونات والكتل السياسية، والأحزاب والتنظيمات الفاعلة، والقوى الاجتماعية والمدنية، لضمان حوار حقيقي يعكس إرادة السوريين”.
واعتبرت تلك الأحزاب في بيانها أن “المؤتمرات التي تُعقد بتمثيل شكلي لأفراد لا يعكسون حقيقة المكونات السورية، لا معنى ولا قيمة لمخرجاته، وهي غير مجدية، ولن تسهم في إيجاد حلول فعلية للأزمة التي تعاني منها البلاد”.
ولم تتلق الإدارة الذاتية أو الهيئات التابعة لها، دعوة للمشاركة في مؤتمر الحوار الوطني في دمشق، وفق ما أعلن منظمو المؤتمر في وقت سابق، باعتبار أنه لم تتم دعوة أي كيانات أو تشكيلات عسكرية ما زالت تحتفظ بسلاحها، في إشارة إلى قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، الذراع العسكرية للإدارة الذاتية.
“الوطني الكردي” يقاطع
من جهته، كشف المتحدث الرسمي باسم المجلس الوطني الكردي، فيصل يوسف، لـ”الشرق”، أن “بعضاً من الشخصيات القيادية من المجلس تلقت دعوات للمشاركة بصفة شخصية، لكن موقفنا كان معلناً وواضحاً أننا لن نتمثل في المؤتمر إلا ككيان سياسي معبر عن الشعب الكردي، وبالتالي قاطعنا المشاركة”.
وأضاف يوسف أن “شخصيات كردية حضرت المؤتمر، لكن أياً منهم لم يكن يمثل الحركة السياسية الكردية، ومن حضر لم يتحدث ويعلن أنه يمثل الحركة السياسية الكردية أو الشعب الكردي، وإنما كانت مشاركاتهم بصفاتهم الشخصية”.
ولا ينضوي المجلس الوطني الكردي تحت مظلة الإدارة الذاتية وهو خارج مؤسساتها، لكنه كان من ضمن الائتلاف السوري المعارض قبل أن ينسحب منه قبل أسبوعين.
وانتقد المتحدث باسم المجلس آلية توجيه الدعوات، وقال إنها “كانت خاصة باللجنة التحضيرية للمؤتمر، وتجنبوا من خلالها تمثيل المكونات السياسية والقومية، وأعادوا الأمور إلى أيام النظام السابق، من خلال دعوة شخصيات ليست لها أي تمثيل وإنما من باب القول بوجود التنوع”.
وأضاف: “ما نتمناه أن يكون المؤتمر ليس نهاية المطاف، وإنما محطة مراجعة وتصويب للأخطاء، مع ضرورة فتح المجال في مثل هذه المؤتمرات لمشاركة كل المكونات السياسية والقومية وطرح القضايا بشكل واضح وشفاف، وليس في إطار العموميات وعبر خطاب خشبي”، معتبراً أنه “إذا لم يتم تشخيص الأمور والقضايا ووضع أسس للمعالجة بشكل شفاف، فنحن متجهون إلى وضع غير مقبول، ولا يلبي تطلعات الشعب السوري وأهداف الثورة السورية”.
“حضور خافت للدروز”
كشفت مصادر من طائفة الموحدين الدروز في محافظة السويداء لـ”الشرق”، أن “ما يزيد عن 20 شخصية من السويداء شاركوا في المؤتمر، من بينهم الناشط السياسي والأستاذ الجامعي حسام الشوفي، والطبيبة ثناء السعدي، والإعلامية إيناس عزي، والمحامي نضال عامر، إلى جانب نضال غزالة ممثلاً عن النقابات المهنية، وآخرين، لكن معظم هؤلاء لم يكونوا من وجهاء الطائفة والشخصيات المعروفة في السويداء”.
وأوضحت المصادر أنه “كان من بين الذين تلقوا الدعوات، المحامي أسامة الهجري، وهو ابن عم رئيس طائفة المسلمين الموحدين الدروز في السويداء، الشيخ حكمت الهجري، ولكنه وبعد أن حضر لقاء التعارف مساء الاثنين، قاطع جلسات المؤتمر احتجاجاً على آلية توجيه الدعوات وأسلوب التعامل مع الضيوف الذين حضروا واستثناء شخصيات معروفة في المحافظة وتوجيه الدعوة لآخرين لا يمثلون ثقلاً على المستوى المجتمعي”.
وهناك شخصيات أخرى غابت عن المؤتمر لعدم تلقيها دعوات، مثل القيادي في حزب العمل الشيوعي أصلان عبد الكريم، وزميله غسان شورى القيادي في الحزب ورئيس الجمعية الخيرية الشركسية، وكذلك فاتح جاموس القيادي في “تيار التغيير السلمي”.
في المقابل، قالت اللجنة التحضيرية للمؤتمر إن عدد من شارك في جلسات المؤتمر وورش العمل بلغ 570 مدعواً، في حين اعتذر 30 فقط شخصاً عن المشاركة، معظمهم لكونهم خارج البلاد.
وبحسب منظمي المؤتمر، فإن “الحضور كان يمثل جميع فئات الشعب السوري بكافة طبقاته، وطرحت مواضيع كان التفكير فيها سابقاً كافياً لأن يختفي صاحبها”.
وكان من بين المشاركين فادي حليسو، خبير العمل الإنساني في سوريا ولبنان، والمعارضة البارزة فرح الأتاسي، ورئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة، والمعارضة السورية السابق نصر الحريري، ورئيس الائتلاف السابق سالم المسلط، ومؤسس الجيش السوري الحر العقيد المنشق رياض الأسعد، والأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي أحمد العسراوي، ورئيس حركة التجديد الوطني عبيدة نحاس، ورئيس نقابة المحامين أحمد دخان، والمدير التنفيذي للمركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية بواشنطن رضوان زيادة، والفنانون منى واصف ومكسيم خليل وسمر شما.
كما حضر الممثل المقيم السابق للطائفة الإسماعيلية في سوريا، ووزير الدولة السابق اللواء المتقاعد محمد مفضي سيفو، إلى جانب رجال دين مسلمين ومسيحيين من بينهم المطران جوزيف بالي، لبناني الجنسية، والمطران أوكين الخوري، عراقي الجنسية، واللذان شاركا في المؤتمر بصفتهما التمثيلية للطائفة السريانية الأرثوذكسية، وليس بصفتهما الشخصية، وكلاهما يخدمان في المركز البطريركي في دمشق. كما شارك مطران الأرمن الأرثوذكس في دمشق أرماش نلبنديان، والنائب الرسولي لطائفة اللاتين في سوريا المطران حنا جلوف.