كشفت إدارة متحف تورينو، وهو أقدم متحف في العالم مخصّص بالكامل للثقافة المصرية القديمة، عن صالات عرض جديدة للمنحوتات الأثرية القديمة.
يأتي هذا الإعلان، في إطار مشروع تجديد المتحف الذي تبلغ كلفته 24 مليون يورو، حيث تمّت إعادة تصميم مساحات المتحف، بإشراف مكتب الاستوديو الهولندي للهندسة المعمارية الحضرية (OMA).
وتمّت إزالة الطلاء الأسود، والإضاءة المكثفة، والجدران السميكة، التي وضعها مصمّم السينوجرافيا السابق دانتي فيريتي عام 2006، ما سمح للضوء بالتدفّق من جديد.
ذكرى التأسيس
وكانت إدارة متحف تورينو، نظّمت احتفالية كبرى بمناسبة مرور 200 عام على تأسيس المتحف، بحضور رئيس الجمهورية الإيطالي سيرجيو ماتاريلا، ووزير السياحة والآثار المصري شريف فتحي، وعدد من الشخصيات. امتدّت الاحتفالية على مدى ثلاثة أيام، تخللها محاضرات خاصة بعلم المصريات.
تم تأسيس متحف الآثار الفرعونية في مدينة تورينو بشمال إيطاليا عام 1824، حينها كانت المدينة عاصمة مملكة إيطاليا قبيل انتقالها إلى روما بعد اتحاد إيطاليا.
يضم المتحف أكثر من 30 ألف قطعة أثرية معروضة على مساحة 12 ألف متر، موزّعة على أربعة طوابق. وسجّلت إدارة المتحف زيارة مليون زائر من جنسيات مختلفة العام الماضي.
وأوضح الدكتور زاهي حواس، وزير الآثار الأسبق لــ”الشرق”، أن متحف تورينو هو أكبر متحف مختص بالآثار المصرية خارج البلاد، وأشار إلى القطع الأثرية المهمّة التي يضمّها المتحف، وأبرزها تمثال الملك رمسيس الثاني “الأجمل على الإطلاق”، وكنوز مقبرة “النبيل خع” وزوجته “ميريت”.
أجمل قصور تورينو
يتميّز القصر المخصّص لمتحف تورينو، بتصميم فني فريد، ويشتهر بأعمدته الأربعة الرخامية في المدخل الرئيسي
عالِم المصريات والروائي الإيطالي فيدريكو لوفينو، وصف المبنى بأنه “أحد أجمل قصور تورينو”، وأوضح أن المهندس الإيطالي الشهير جوارينو جواريني، قام بتصميمه في منتصف القرن السابع عشر، وكان مخصّصاً حينها لأكاديمية العلوم في تورينو، التي مازالت تشغل طابقاً في المتحف .
وأشار لوفينو إلى أن الأكاديمية، كانت تمتلك مجموعة صغيرة مؤلفة من عشرات القطع المصرية، التي جلبها عالم النباتات الإيطالي دوراتي من مصر، وبمرور السنوات تحوّل القصر إلى أكبر متحف للمصريات في الخارج.
مجموعة دروفيتي
تعدّ مجموعة برناردينيو دروفيتي، من أكبر المجموعات الأثرية المصرية وأكثرها تنوّعاً، جمعها خلال عمله كقنصل لفرنسا في مصر، أثناء حكم محمد علي، في الثلث الأوّل من القرن التاسع عشر.
ارتبط دروفيتي بعلاقة خاصّة بالوالي محمد علي، وكان معلّماً لابنه إبراهيم في بدايات حكم والده، وفقاً لما ذكره العالِم الإيطالي جيوفاني مارو، في كتابه “أسرار انشاء متحف تورنو” الصادر عام 1933.
بدأت القصّة برغبة دروفيتي ذو الأصل الإيطالي، بأن ينقل مجموعته إلى إيطاليا بلده الأصلي، فانتهز الفرصة لملك كارلو فيليتشي، حاكم تورينو حينها، الذي ينتمي إلى عائلة سافويا الشهيرة، المعروفة بحبها للفنون، والتي أسست أكبر مركز فني في العالم، معروف باسم جاليري “أوفيتزي” في فلورنسا.
بدأت المراسلات بين ملك تورينو وبين القنصل الفرنسي عام 1816 في مصر، وطالبه بأن تحتفظ مدينة تورينو بمجموعته، وكان الهدف حينها أن تمتلك أوّل عاصمة لإيطاليا متحفاً شهيراً يميّزها عن بقية دول العالم .
جرى توقيع العقد المبدئي بينهما عام 1816، مقابل مبلغ 100 ألف ليرة إيطالية، تقتني بموجبه المدينة المجموعة، فضلاً عن عائد سنوي يضاف إلى هذا المبلغ، قيمته 15 ألف ليرة إيطالية تدفعها جامعة تورينو لدروفيتي.
تمّ تجديد العقد بين وزير المالية الإيطالي ودروفيتي في مارس 1824، مقابل 400 ألف ليرة لدروفيتي وفقا لما ذكره العالم جيوفاني .
أهم المقتنيات
يعتبر تمثال رمسيس الثاني المصنوع من حجر الجرانيت الأسود، من أشهر قطع المتحف، وقال عنه شامبوليون، مؤسس علم المصريات: “إن هذا التمثال وحده يستحق أن ينشأ من أجله متحفاً”.
ومن أهم القطع الأثرية في مجموعة دروفيتي، تمثالان على شكل أبو الهول للملك “امنحتب” الثالث، يعتقد أنهما كانا ضمن طريق أبو الهول القديم، الذي كان يربط معبد الأقصر بمعبد الكرنك .
كما تحوي مجموعة دروفيتي، أشهر “بردية” في التاريخ المصري القديم، هي “بردية الملوك ” التي تحوي سجلاً عن حكّام مصر، ومدّة حكمهم، ما دفع الباحثين للاعتقاد أن المتحف يحوي أهم برديات مصرية .
يعرض المتحف أوّل خريطة في التاريخ لمناجم الذهب في الصحراء الشرقية، التي تعود إلي عصر الملك “سيتي” الأول، من الدول الحديثة لمصر القديمة. وتحوي المجموعة بردية تسمّى “البردية 5001″، وتمثّل عدد من المناظر الهزلية، التي تعبّر عن انقلاب الأوضاع الاجتماعية في عصر رمسيس الثالث.
وأهدت مصر متحف تورينو عام 1970 معبد أليسيا عام 1970، تقديراً لمشاركة إيطاليا في إنقاذ آثار النوبة .
سكيابريلي والمجموعة الثانية
جلب أرنستو سكيابريلي، مكتشف مقبرة “نفرتاري”، 17 ألف قطعة أثرية إلى متحف تورينو، خلال توليه إدارة المتحف منذ عام 1894 وحتى 1927.
كما أدار في مصر بعثة الحفائر الإيطالية منذ عام 1903 وحتى 1927، وتولى الحفريات في مناطق عدّة، منها هيليوبوليس، وسقارة، وأسوان والأقصر. ومن أهم اكتشافاته، مقبرة “نفرتاري” في وادي الملكات، التي عثر عليها عام 1904، كما اكتشف مقابر أبناء رمسيس الثالث.
في دير المدينة، اكتشف مقبرة “خع” و “ميريت”، التي تعتبر أهم مقبرة لنبيل اكتشفت في مصر، لجهة ثرائها وتنوّع كنوزها، بين برديات و تماثيل وأدوات الحياة اليومية والعطور والملابس، ونقلها سكياباريلي بأكملها إلى تورينو .
شامبوليون وتورينو
كان من المفترض أن يقوم جان فرانسوا شامبوليون، مؤسس علم المصريات، الذي فكّ رموز الكتابة الهيروغليفية، برحلة إلي مصر، وقال جملته الشهيرة “إن الطريق إلى طيبة يمرّ بتورينو”.
كان هدف شامبوليون التعمق بدراسة اللوحات والنصوص المصرية القديمة في المتحف، ومعرفة أسرار الهيروغليفية، كما أشرف بنفسه على فك صناديق مجموعة دروفيتي، قبيل عرضها، وعبّر عن إعجابه بها واصفاً إياها بـ”المجموعة المدهشة”.
ونجحت السفارة المصرية في روما عام 2023، بالتعاون مع السلطات الإيطالية، في استرداد 4 قطع أثرية نادرة من متحف تورينو للحضارة، يعود تاريخها إلى العصر الفرعوني المتأخر، وهي عبارة عن لوحة فرعونية مزيّنة بالرسومات الهيروغليفية، بينما تنتمي القطع الأخرى إلى العصر اليوناني الروماني.