لطالما كان تأمين الأصول الفضائية للجيش الأميركي يُمثل تحدياً رئيسياً، يشمل في المقام الأول الحصول على التمويل اللازم لبلوغ هذا الهدف إلى جانب القدرات التكنولوجية الفائقة.
وعندما كشف وزير القوات الجوية الأميركية، فرانك كيندال، عن قائمة أولوياته السبع التي لا ينبغي الفشل في تنفيذها قبل عامين، ووصفها بأنها ذات ضرورة تشغيلية، كان إنشاء بنية فضائية مرنة على رأس هذه القائمة، وذلك وفقاً لما ذكره موقع Defense News.
وفي خطاب ألقاه في مارس 2022، قال كيندال، إن إنشاء بنية فضائية مرنة ربما تكون الأكثر شمولاً والأكثر تأثيراً من بين جميع الأولويات التي ذكرها على قائمته.
المرونة الفضائية
يدعم تصور كيندال لأهمية إنشاء “بيئة فضائية مرنة”، فكرتان رئيسيتان اكتسبتا تأييداً داخل وزارة الدفاع الأميركية خلال السنوات الأخيرة.
تتمثل الفكرة الأولى في عدد من القدرات، مثل نظام تحديد المواقع العالمي GPS، والاتصالات عبر الأقمار الصناعية، وجمع المعلومات الاستخباراتية من الفضاء، حيث تلعب هذه القدرات دوراً أساسياً في معظم العمليات العسكرية الأميركية.
أما الفكرة الثانية، فتدور حول ما تنطوي عليه تهديدات الخصوم، مثل روسيا والصين، من تعريض القدرات الفضائية الأميركية للخطر.
ومثّل إنشاء قوة الفضاء في عام 2019، خطوة نحو تعزيز الموارد والهيكل التنظيمي للمشروع العسكري الفضائي. ويتوقع أيضاً أن يشكل اهتمام وزير القوات الجوية الأميركية بـ”المرونة الفضائية” وجعلها على رأس أولوياته، دفعة نحو الحصول على تمويل محتمل عند تقسيم ميزانية القوات الجوية وقوة الفضاء.
وأكد كيندال، أن قوة الفضاء الأميركية، أحرزت بعض التقدم خلال السنوات القليلة الماضية في تحديد بنية فضائية أكثر مرونة، مشيراً إلى أنه راض عن خطة قوة الفضاء لتحقيق المرونة المطلوبة من خلال نشر أقمار صناعية أصغر في مدارات متنوعة.
معضلة التمويل
أكد كيندال، أهمية زيادة ميزانية قوة الفضاء الحالية البالغة قيمتها نحو 30 مليار دولار، لنشر المزيد من الأقمار الصناعية والأنظمة الأرضية، سواء كان ذلك من خلال الصفقات الداخلية لوزارة الدفاع، أو من خلال تمويل من الكونجرس.
وأضاف أنه “يجب زيادة هذه الميزانية إلى الضعف أو 3 أضعاف بمرور الوقت، حتى نتمكن من تمويل الأشياء التي سنحتاج إليها بالفعل. كما سيتعين على شخص ما، اتخاذ بعض القرارات بشأن ما إذا كان سيخصص لنا ميزانية أكبر بشكل عام، أو القيام ببعض الصفقات الداخلية.
وتأتي دعوة كيندال، لزيادة ميزانية قوة الفضاء بعد عدة سنوات من النمو المطرد في تمويل هذا الفرع المهم من القوات المسلحة الأميركية.
وتضاعفت ميزانية قوة الفضاء تقريباً خلال السنوات الخمس الأخيرة منذ إنشائها، لكن هذه الزيادة تعكس تشكيل القوة وانضمام هيئات جديدة إليها أكثر من كونها استثماراً جديداً، حيث انتقل العديد من الأفراد والبرامج التي كانت تركز على الفضاء في أفرع أخرى داخل الجيش الأميركي إلى القوة، فضلاً عن انتقال وكالة تطوير الفضاء لتكون تحت إشراف قوة الفضاء.
ومن المقرر أن تنخفض ميزانية قوة الفضاء المطلوبة إلى حوالي 30 مليار دولار خلال السنة المالية 2025، ويرجع ذلك إلى حد كبير للقيود المفروضة بموجب قانون المسؤولية المالية، والذي وضع حداً للإنفاق الدفاعي.
في الوقت ذاته، تُظهر وثائق الميزانية أن قوة الفضاء تتوقع أن يظل تمويلها ثابتاً نسبياً على مدى السنوات الخمس المقبلة.
ونقل موقع Defense News، عن نائب رئيس العمليات الفضائية في قوة الفضاء الجنرال مايكل جيتلين قوله، إن تمويل البنتاجون المتوقع لا يتناسب مع الطلب الذي تشهده قوة الفضاء من المستخدمين في الميدان، موضحاً أن قدرة الخدمة على الاستجابة لمتطلبات القيادة القتالية في الأزمات ستكون محدودة.
وتابع: “نحن نستغل ميزانيتنا إلى أقصى حد، ونرى ميزانية ثابتة في وزارة الدفاع. يجب أن يتغير هذا الوضع.. نحن نشهد تهديداً يهدف إلى تضييق فجوة القدرات بيننا وبين الخصوم”.
وأكد خبير ميزانية الدفاع والزميل البارز في معهد America Enterprise Institute، تود هاريسون، أن قوة الفضاء لن تتمكن من القيام بمهام جديدة أو الاستمرار في الاستجابة للمتطلبات الحالية دون زيادة التمويل.
ولفت هاريسون إلى خطة وكالة تطوير الفضاء لشراء مئات الأقمار الصناعية لتتبع التهديدات الصاروخية المتقدمة، وتشكيل طبقة لنقل البيانات في الفضاء.
وقال هاريسون في ندوة عبر الإنترنت خلال مايو الماضي، استضافتها جمعية الأمن القومي للفضاء: “تحاول قوة الفضاء الدخول في مناطق مهمة جديدة. وسيكلف ذلك المزيد من الأموال”.
وقد يأتي المزيد من التمويل لقوة الفضاء من خلال زيادة الميزانية من قبل الكونجرس في الأمد القريب، لكن بناء على حجم التمويل للسنة المالية 2025 التي اقترُحت في غرفتي الكونجرس، يبدو أن التحرك في الاتجاه المعاكس، أي تقليل الميزانية، هو السيناريو الأكثر ترجيحاً.
أسلحة هجومية سرية
في ظل مطالبة قوة الفضاء الأميركية بمزيد من التمويل، كان القادة العسكريون يعملون لتحديد الأقمار الصناعية الملائمة والقدرات الأخرى اللازمة للتكيف مع التهديدات الجديدة في المدار.
ويقود هذه العملية التي بدأت في عام 2021 إلى حد كبير، مركز تحليل حرب الفضاء، الذي كان يجري دراسات مهمة تلو الأخرى بهدف صياغة هيكل القوة المثالي، أو الموضوعي لقوة الفضاء خلال الـ 15 عاماً المقبلة.
وقال جيتلين، إن العمل الذي يقوم به مركز تحليل حرب الفضاء يُشبه “الأحجية”، وبعد أكثر من 3 سنوات من العمل، أصبحت معظم قطع هذه الأحجية في متناول يد قوة الفضاء.
وتتضمن الخطط المستقبلية لقوة الفضاء الأميركية، نشر أنظمة هجومية ودفاعية، تُعرف باسم الأسلحة الفضائية المضادة، وقدرات أخرى معظمها سرية، لكن الخيارات تتراوح بين أنظمة الحرب الإلكترونية أو السيبرانية وبين الأسلحة الحركية.