أثار الرئيس الأميركي دونالد ترمب موجة جديدة من الجدل في الولايات المتحدة، بعد ما نشر فيديو بالذكاء الاصطناعي يعرض رؤيته لما يمكن أن تصبح عليه غزة تحت خطته للسيطرة عليها، وسط ردود فعل غاضبة وسط أنصاره.
ويصور مقطع الفيديو الذي حصد ملايين المشاهدات، قطاع غزة كـ”ريفييرا الشرق الأوسط” مليئة بالمنتجعات السياحية وناطحات السحاب وحتى تماثيل ذهبية لترمب. كما شمل الفيديو لقطات رقص في الشوارع، وأموال تتساقط من السماء، وبحار مليئة بالسياح، بالإضافة إلى مشهد للرئيس ترمب إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يستجمان على الشاطئ.
وجاءت معظم التعليقات على الفيديو سلبية في كل منصات التواصل الاجتماعي التي نشر ترمب عليها الفيديو، بما في ذلك منصته الخاصة تروث سوشيال Truth Social، التي تعج بالمستخدمين المحافظين والجمهوريين والموالين لترمب، وسط تساؤلات بشأن ما إذا كانت آراء ترمب قد تؤثر على شعبيته وشعبية الحزب الجمهوري، قبل الانتخابات النصفية المقررة في عام 2026.
كيف علق أنصار ترمب على الفيديو؟
أحد أكثر التعليقات إعجاباً على منصة إنستجرام كتبتها مستخدمة تطلق على نفسها اسم “ميلاني”، وقالت فيه إنها ندمت على التصويت لترمب في الانتخابات الأخيرة.
وكتبت: “هذه ليست قضية جمهورية أو ديمقراطية، هذه قضية إنسانية. لقد صوتُّ لدونالد ترمب، لكنني لم أصوّت لهذا. ولا أي شخص آخر أعرفه. انعدام الإنسانية، واللياقة، والاحترام جعلني أندم على صوتي”.
وعلى منصة تروث سوشيال عبر معظم المعلقين، الذين يصفون أنفسهم بأنهم محافظين مؤيدين لترمب، عن استيائهم وصدمتهم من مقطع الفيديو.
وكتب صاحب حساب يحمل اسم “بروك”: “هذا الفيديو صادم، مزعج، غير محترم بشكل عميق، ومثير للاشمئزاز. التماثيل الذهبية تعكس عبادة الذات.. من الصادم تصوير رئيسنا ورئيس وزراء إسرائيل، وهما يحتسيان الجعة بملابس السباحة أمام فندق (ترمب غزة). هناك العديد من الأخطاء في هذا الفيديو، لدرجة يصعب حصرها. لقد فقد رئيسنا الكثير من الاحترام والمصداقية بسبب نشره لهذا الفيديو الفظيع”.
أما كورتني، فعلقت على الفيديو على منصة “تروث سوشيال”، بالقول: “أنا أدعمك 100% يا سيادة الرئيس، لكنني لا أحب هذا الفيديو. إنه غير لائق تماماً بكل المقاييس”.
من جهة أخرى تساءل عدد من المستخدمين على غرار “لوكي”، بشأن ما إذا كانت قد تمت قرصنة حساب ترمب، إذ علق قائلاً: “هناك شيء غير منطقي هنا؟؟ حقاً لا أشعر أن هذا شيء قد ينشره ترمب!! أتساءل إن كان هناك من يعبث بحسابه؟!! آمل حقاً أن يكون الأمر كذلك!! الفيديو مخيف جداً!!”.
كيف تنعكس خطة ترمب في الاستطلاعات؟
بحسب استطلاعات الرأي الأخيرة، فإن موقف ترمب من غزة لم يحظَ بإجماع داخل قاعدته الجمهورية. وأظهر استطلاع حديث أجرته (رويترز/إبسوس)، ونشرته في 23 فبراير الجاري، أن 25% فقط من الأميركيين ونصف الجمهوريين فقط يوافقون عليها، بينما رفضها أكثر من نصف المستطلعين، بمن فيهم ناخبون صوّتوا له في 2024.
وفي استطلاع آخر نشرته شبكة CNN في 20 فبراير الجاري، فإن 58% من الأميركيين قالوا إن خطة ترمب للسيطرة على غزة “سيئة”.
ووجد الاستطلاع أن هذه الفكرة لا يؤيدها 86% من الديمقراطيين و60% من الناخبين المستقلين، و27% من الناخبين الجمهوريين. في المقابل، وجد الاستطلاع أن 47% من الناخبين قالوا إن لديهم موقف محايد من الخطة، فيما قال 26% إنهم يدعمونها.
كما أن سياساته الخارجية، وخاصة دعمه القوي لإسرائيل، قد لا تلقى الترحيب نفسه بين جميع الأميركيين. فقد أظهرت بيانات من “ABC News” في 19 فبراير الجاري أن نسبة الأميركيين المتعاطفين مع الفلسطينيين في تزايد.
وارتفعت النسبة من 15% منذ تنصيب ترمب في 20 يناير الماضي إلى 21% في فبراير 2025، في مؤشر على تغيّر المزاج العام، ما قد يؤثر على دعم ترمب داخل قاعدته الانتخابية.
هل تؤدي مواقف غزة إلى تراجع شعبية ترمب؟
الخبير الاستراتيجي الجمهوري ماثيو كلينك شكك في مدى واقعية استطلاعات الرأي بشأن معدلات التأييد لترمب؛ بسبب مواقفه من غزة، قائلاً: “الإعلام يبالغ في تفسير تصريحات ترمب”.
وقال كلينك لـ”الشرق”، إن “موقف ترمب من غزة يتماشى مع توجهات قاعدته الانتخابية، إذ حافظ ترمب على موقف قوي من حيث دعمه لإسرائيل”.
أما تصريحاته بشأن السيطرة على غزة، يقول كلينك، إنها “تعكس نموذجاً كلاسيكياً لأسلوبه في إثارة الجدل وإعادة صياغة النقاش. وسائل الإعلام تأخذ كلماته حرفياً، دون إدراك أنه يستخدم تصريحاته لاستفزاز الأطراف المعنية وتحويل مسار النقاش، وهذا ما حدث بالفعل”.
وأضاف كلينك أن “الأميركيين يدركون أن الوضع القائم في غزة قبل 7 أكتوبر لم يكن مستداماً، سواء بالنسبة لإسرائيل، الحليف الأكثر موثوقية لأميركا في الشرق الأوسط، أو بالنسبة للمساهمات المالية الأميركية للوكالات التي كان من المفترض أن تقدم المساعدات لسكان غزة، لكنها في الواقع كانت تخدم أجندة حماس هناك. دونالد ترمب يريد تحقيق سلام دائم ومستقر بدون وجود حماس في المشهد”.
في السياق ذاته، يتفق جيف لي وهو خبير في الشؤون الحكومية الأميركية ومساعد حاكم كاليفورنيا السابق الديمقراطي جيري براون، بأن تصريحات ترمب بشأن غزة لا تستهدف قاعدته الانتخابية، لكنه يشير إلى أنها في جوهرها تتعارض مع معتقدات ناخبيه السياسية.
وقال جيف لـ”الشرق”، إن “ترمب بنى حملته الانتخابية على سياسة خارجية تضع المصالح الأميركية أولاً، وكان موقفه واضحاً بعدم الانخراط في النزاعات الخارجية إلا إذا كان ذلك ضرورياً، مضيفاً: “لكن ترمب يبدو أنه يتعمّد التركيز على غزة كأداة تفاوضية أكثر من كونه يسعى فعلياً لجعلها (ريفييرا الشرق الأوسط) كما يروّج”.
وأشار جيف إلى أن “قاعدة ترمب الانتخابية لا تزال متحفظة تجاه أي تدخل خارجي، ويرون تعليقاته مجرد استعراض سياسي أكثر من كونها تغييراً حقيقياً في السياسة. وهذا يفسر لماذا حاولت المتحدثة باسمه وفريقه الإداري التخفيف من وقع بعض هذه التصريحات”.
وكان ترمب صرح في مطلع فبراير بأنه يريد تهجير كل سكان قطاع غزة بشكل دائم، قبل أن تخرج المتحدثة باسم البيت الأبيض في اليوم التالي لتخفف من حدة تصريحات ترمب، بالقول إن الرئيس يريد نقل السكان بشكل “مؤقت” خارج القطاع حتى انتهاء إعادة الإعمار.
أين تتجه أسهم ترمب بعد الشهر الأول بالبيت الأبيض؟
على الصعيد العام، يبدو أن تأييد ترمب في الأشهر الأولى من ولايته الثانية لا يزال مستقراً عند 44%، وفقاً لاستطلاع “رويترز/إبسوس”، وهو معدل أعلى مما كان عليه في معظم فترات رئاسته الأولى، لكنه يظل أقل من نسب التأييد التي حصل عليها رؤساء سابقون في هذه المرحلة.
في المقابل، تظهر بيانات من “أكسيوس” أن سياسات إيلون ماسك، الذي يقود حملة تقشف حكومية ضمن إدارة ترمب، تلقى انتقادات واسعة، حيث أبدى 55% من الأميركيين مخاوفهم من نفوذه المتزايد، وهو ما قد ينعكس سلباً على ترمب نفسه.
وبحسب “أكسيوس”، فإن نسبة تأييد الرئيس ترمب تراجعت بشكل طفيف في استطلاعات الرأي الأخيرة، بعد أن كانت أرقامه الأولية من بين الأعلى في مسيرته السياسية.
وانخفضت نسبة تأييد ترمب إلى مستويات سلبية، وفقاً لتحليل نشرته “واشنطن بوست” عن أحدث الاستطلاعات، وهو ما قد يشكل مصدر قلق لإدارته، خاصة مع تراجع شعبية سياسات التقشف التي يقودها الملياردير إيلون ماسك.
وأوضحت الصحيفة أن نسبة تأييد ترمب حتى منتصف فبراير في مختلف الاستطلاعات تتراوح بين 44% و47%. وفي جميع هذه الاستطلاعات، كانت نسبة من يعارضونه أعلى من نسبة من يؤيدونه.
ولفتت “واشنطن بوست” إلى أن هذه الأرقام تمثل تحولاً عن معظم الاستطلاعات السابقة، التي أظهرت أن ترمب كان يتمتع بشعبية إيجابية.
جيف لي علق على هذه الاستطلاعات، قائلاً إنها تبرز مؤشرات على انخفاض الدعم لترمب بين بعض الفئات، خاصة الشباب والمستقلين، نتيجة الضغوط الاقتصادية وعدم الاستقرار في السياسات الداخلية.
وأضاف: “ترمب ركز في حملته على 3 قضايا رئيسية: تأمين الحدود، معالجة التضخم، والتصدي لمبادرات التنوع والشمول. وفي حين أن سياساته بشأن أمن الحدود لا تزال تحظى بشعبية، لكن مع استمرار ارتفاع أسعار بعض السلع مثل البيض، واستمرار معدلات الفائدة على نفس المستويات السابقة، وانعدام القدرة على شراء المنازل، فإن هذه القضايا تشكل نقاط ضعف بالنسبة له. وهذا ما يفسر سبب انخفاض شعبيته بين الناخبين تحت سن الثلاثين، والمجموعات العرقية، وبعض المستقلين”.
وبشأن تأثير إجراءات إيلون ماسك على رأس وزارة “الكفاءة الحكومية” على شعبية ترمب، يقول جيف إن “جهود الحكومة الفيدرالية لتقليص البيروقراطية ظلت تحظى بشعبية خارج واشنطن، ولا أتوقع أن تؤثر هذه السياسات على معدلات تأييده إلا إذا أدت إلى تقليص خدمات ملموسة مثل نقص مراقبي الطيران في إدارة الطيران الفيدرالية، أو تقليل عدد المفتشين البيطريين الذين يفحصون سلامة الدواجن”.
“تقلبات مرحلية”
من جهته، أبدى الخبير الاستراتيجي الجمهوري كلينك تحفظه بشأن نتائج الاستطلاعات، قائلاً إن “استطلاعات الرأي الدقيقة عادةً ما تكون خاصة تُستخدم في الحملات السياسية، وليست تلك العلنية التي تُنجزها وسائل إعلام”، مشيراً إلى أن “ترمب لا يزال يتمتع بشعبية أكبر من أي وقت مضى، في استطلاعات الرأي الخاصة”.
وانتقد وسائل الإعلام الأميركية التي تشير إلى تراجع معدلات تأييد ترمب في فبراير، قائلاً إنه “من المثير للاهتمام أن نفس وسائل الإعلام التي اعتمدت على بيانات استطلاعات رأي غير دقيقة خلال انتخابات 2024، تعتمد الآن على هذه الاستطلاعات نفسها لتزعم أن شعبية ترمب في تراجع. هذه الاستطلاعات لم تقم بتعديل عيناتها لتعكس التغيرات في التركيبة الانتخابية داخل الولايات المتحدة”.
ونشر البيت الأبيض في 24 فبراير الجاري، نتائج استطلاع أنجزته “هارفارد كابس-هاريس”، والذي وجد أن أغلبية الأميركيين يؤيدون أجندة ترمب، بما في ذلك سياساته المتعلقة بالأمن القومي وإصلاح الحكومة.
وأعرب كلينك عن اعتقاده بأن التقلبات في دعم الناخبين الشباب أو العمال قد تتغير مع مرور الوقت، لكنها لا تعني تراجعاً حقيقياً في شعبية ترمب.
وتوقع الخبير الاستراتيجي الجهوري، أن “دعم ترمب بين الناخبين الشباب أو الناخبين من الطبقة العاملة، سيتغير صعوداً وهبوطاً على مدار فترة ولايته التي تمتد لأربع سنوات”.
وأضاف: “لكن، بشكل عام، الجمهوريون والمستقلون يدعمون جهوده على الحدود وتقليص البيروقراطية. ولكن جميع الناخبين متقلبين. وإذا لم يحقق ترمب نجاحاً اقتصادياً، فإن شعبيته ستعاني. لم يحدث ذلك حتى الآن، لكنه يملك بعض الوقت، قبل أن يصبح الاقتصاد عاملاً حاسماً”.
الانتخابات النصفية: خطر التقليد التاريخي أم فرصة للجمهوريين؟
تأتي هذه التقلبات قبل 21 شهراً من موعد الانتخابات النصفية المقررة في نوفمبر 2026، حين سيقرر الناخبون لمن قد تؤول الأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ في الكونجرس، وقد تؤثر نتائجها بشكل مباشر على برنامج عمل ساكن البيت الأبيض في بقية عهدته الرئاسية.
وعبر ترمب عن ثقته في تغيير العرف السياسي السائد تاريخياً في الولايات المتحدة، الذي يقضي بخسارة حزب الرئيس مقاعد في الانتخابات النصفية، وقال في خطاب أمام مؤتمر العمل السياسي المحافظ، السبت الماضي، إنه يؤسس لـ”أغلبية سياسية جديدة ودائمة من شأنها تشكيل السياسة الأميركية للأجيال القادمة”.
وأضاف أنه سيغير التقليد السياسي الأميركي، قائلاً: “سنحصل على نتائج عظيمة في الانتخابات النصفية للكونجرس”.
جيف لي يرى أن الجمهوريين يواجهون خطر فقدان الأغلبية في مجلس النواب، بسبب الأغلبية الضئيلة لهم والعرف السياسي السائد بخسارة الحزب الحاكم لمقاعد، خلال الانتخابات النصفية.
ورجح أنه “من المحتمل جداً أن يتمكن الديمقراطيون من استعادة السيطرة على مجلس النواب في عام 2026″، فيما أشار إلى أن “التنافس سيكون أكثر شدة في مجلس الشيوخ، ولكن احتمالات فوز الديمقراطيين بمقاعد إضافية تظل قائمة، خاصة مع إعلان بعض أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين المعتدلين في ولايات تنافسية مثل مينيسوتا وميشيجان عن تقاعدهم”.
وذكر أنه “تاريخياً، الحزب الموجود في البيت الأبيض يتعرّض لانتكاسات في انتخابات الكونجرس النصفية. ومع الأغلبية الضئيلة للجمهوريين في مجلس النواب، فإن احتمال استعادة الديمقراطيين السيطرة عليه في 2026 أمر وارد جداً”.
وأشار الخبير في الشؤون الحكومية الأميركية إلى أنه “إذا استمرت نسب تأييد الرئيس في الانخفاض، فقد يصبح بعض أعضاء الحزب الجمهوري أكثر جرأة في انتقاده علناً مع اقتراب الانتخابات النصفية، ما قد يؤدي إلى إضعاف سلطته بشكل أسرع وتحويله إلى رئيس ضعيف خلال ما تبقى من ولايته”.
أما الخبير الاستراتيجي الجمهوري ماثيو كلينك، فيعتبر أن الجمهوريين لديهم فرصة للبقاء في السلطة، بسبب حالة الانقسام الذي يشهدها الحزب الديمقراطي.
وقال كلينك إن “الأمر يعتمد على قدرة الديمقراطيين على تقديم رسالة موحدة وإقناع الناخبين بأن أجندتهم أفضل”، لافتاً إلى أن “التصويت الذي أجراه مجلس النواب بمصادقته على حزمة الموازنة التي يدعمها ترمب كان خطوة مهمة، حيث يمنح الجمهوريين فرصة لاستخدام آلية المصالحة (تعديل الموازنة) لإقرار خفض الضرائب، وتأمين الحدود، وزيادة الإنفاق الدفاعي”.